خَوّنه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ
؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَمْ نَسْمَعْ فِي المَغْنم إِلا غَلَّ غُلُولًا، وَقُرِئَ:
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يُغَلَ
، فَمَنْ قرأَ يَغُلّ فَمَعْنَاهُ يَخُون، وَمَنْ قرأَ يُغَلّ فَهُوَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحدهما يُخان يَعْنِي أَن يُؤْخَذَ مِنْ غَنِيمَتِهِ، وَالْآخَرُ يخوَّن أَي يُنْسَبُ إِلى الغُلول، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَصحاب عَبْدِ اللَّهِ، يُرِيدُونَ يسرَّق؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: جُعِلَ يُغَلُّ بِمَعْنَى يُغَلَّل، قَالَ: وَكَلَامُ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فِي فَعَّلْت وأَفْعَلْت، وأَفْعَلْت أَدخلت ذَلِكَ فِيهِ، وفَعَّلْت كثَّرت ذَلِكَ فِيهِ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: جَائِزٌ أَن يَكُونَ يُغَلّ مِنْ أَغْلَلْت بِمَعْنَى يُغَلَّلُ أَي يُخوَّن كقوله فإِنهم لَا يكذِّبونك، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قُرِئا جَمِيعًا أَن يَغُلَّ وأَن يُغَلَّ، فَمَنْ قَالَ أَن يَغُلَّ فَالْمَعْنَى مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَخُون أُمّته، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَن الغَنائم جَمَعَهَا سَيِّدُنَا رسول الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي غَزَاة فَجَاءَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: لَا تُقَسِّمْ غَنَائِمَنَا،
فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: لَوْ أَفاء اللَّهُ عَلَيَّ مِثْلَ أُحُد ذَهَبًا مَا مَنَعْتُكُمْ دِرْهَمًا، أَترَوْنني أَغُلُّكم مَغْنَمكم؟
قَالَ: وَمَنْ قرأَ أَن يُغَلَّ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى ضرْبين: أَحدهما مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُله أَصحابه أَي يُخَوِّنُوهُ، وَجَاءَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: لأَعْرِفَنّ أَحدكم يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ شَاةٌ قَدْ غَلَّها، لَهَا ثُغاءٌ، ثُمَّ قَالَ أَدّوا الخِياطَ والمِخْيَط
، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَن يَكُونَ يُغَلّ يخوَّن، وَكَانَ أَبو عَمْرِو بْنُ العَلاء وَيُونُسُ يَخْتَارَانِ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ
، قَالَ يُونُسُ: كَيْفَ لَا يُغَلّ؟ بَلَى وَيُقْتَلُ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الغُلُول مِنَ المَغْنَم خَاصَّةً وَلَا نَرَاهُ مِنَ الْخِيَانَةِ وَلَا مِنَ الحِقْد، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنه يُقَالُ مِنَ الْخِيَانَةِ أَغَلَّ يُغِلُّ، وَمِنَ الحِقْد غَلَّ يَغِلُّ، بِالْكَسْرِ، وَمِنَ الغُلول غَلَّ يَغُلُّ، بِالضَّمِّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَلَّ أَن نَجِدَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا كَانَ لِفُلَانٍ أَن يُضْرَب عَلَى أَن يَكُونَ الْفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وإِنما نَجِدُهُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، كَقَوْلِكَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَكْذِب، وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَخُون، وَمَا كَانَ لمُحرِم أَن يلبَس، قَالَ: وَبِهَذَا تَعْلَمُ صِحَّةَ قِرَاءَةِ مَنْ قرأَ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ
، عَلَى إِسناد الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ دُونَ الْمَفْعُولِ؛ قَالَ: وَالشَّاهِدُ عَلَى قَوْلِهِ يُقال مِنَ الْخِيَانَةِ أَغَلَّ يُغِلُّ قَوْلُ الشَّاعِرُ:
حَدَّثْتَ نَفسَكَ بالوَفاء، وَلَمْ تَكُنْ ... للغَدْر خَائِنَةً مُغِلّ الإِصبع
وَفِي الْحَدِيثِ
: أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمْلى فِي صُلْح الحُدَيْبية: أَن لَا إِغْلال وَلَا إِسْلال
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الإِغْلال الخِيانة والإِسْلال السَّرِقة، وَقِيلَ: الإِغلال السَّرِقَةُ، أَي لَا خِيَانَةَ وَلَا سَرِقَةَ، وَيُقَالُ: لَا رِشْوة. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الغُلول فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ الْخِيَانَةُ فِي المَغْنم وَالسَّرِقَةِ مِنَ الغَنيمة؛ وكلُّ مَنْ خَانَ فِي شَيْءٍ خُفْية فَقَدْ غَلَّ، وَسُمِّيَتْ غُلُولًا لأَن الأَيدي فِيهَا مَغْلُولة أَي مَمْنُوعَةٌ مَجْعُولٌ فِيهَا غُلّ، وَهُوَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ يَدَ الأَسير إِلى عُنقه، وَيُقَالُ لَهَا جامِعَة أَيضاً، وأَحاديث الغُلول فِي الْغَنِيمَةِ كَثِيرَةٌ. أَبو عُبَيْدَةَ: رَجُلٌ مُغِلّ مُسِلّ أَي صَاحِبُ خِيَانَةٍ وسَلَّةٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ شُرَيْحٍ: لَيْسَ عَلَى المُستعير غَيْرُ المُغِلّ وَلَا عَلَى المُستودَع غَيْرُ المُغِلّ ضَمان، إِذا لَمْ يَخُن فِي العارِيَّة والوَدِيعة فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، مِنَ الإِغْلال الخِيانةِ، يَعْنِي الْخَائِنَ، وَقِيلَ: المُغِلُّ هَاهُنَا المُسْتَغِلُّ وأَراد بِهِ الْقَابِضَ لأَنه بالقَبْض يَكُونُ مُسْتَغِلًّا، قَالَ ابْنُ الأَثير: والأَوَّل الوَجْه؛ وَقِيلَ: الإِغْلال الْخِيَانَةُ وَالسَّرِقَةُ الْخَفِيَّةُ، والإِسْلال مِنْ سَلّ البعيرَ وغيرَه فِي جَوْفِ اللَّيْلِ إِذا انْتَزَعَهُ مِنْ الإِبل وَهِيَ السَّلَّة، وَقِيلَ: هُوَ الغارة