للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنه لَمْ يُرِدْ بِنَفْيِهَا عدمَها، وَفِي الْحَدِيثِ

: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا عَدْوى وَلَا هامَة وَلَا صَفَر وَلَا غُولَ

؛ كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ إِن الغِيلان فِي الفَلَوات تَراءَى لِلنَّاسِ، فتَغَوَّلُ تَغَوُّلًا أَي تَلَوَّنَ تَلَوُّنًا فَتُضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ وتُهلكهم، وَقَالَ: هِيَ مِنْ مَردة الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، وَذِكْرُهَا فِي أَشعارهم فاشٍ فأَبطل النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، مَا قَالُوا؛ قَالَ الأَزهري: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْحَيَّاتِ أَغْوَالًا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَوْلُهُ لَا غُولَ وَلَا صَفَر، قَالَ: الغُول أَحد الغِيلان وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَالْجِنِّ، كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَن الغُول فِي الفَلاة تتراءَى لِلنَّاسِ فتَتَغَوَّلَ تَغَوُّلًا أَي تتلوَّن تَلَوُّنًا فِي صُوَر شتَّى وتَغُولُهم أَي تُضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ وَتُهْلِكُهُمْ، فَنَفَاهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَبطله؛ وَقِيلَ: قَوْلُهُ لَا غُولَ لَيْسَ نَفْيًا لِعَيْنِ الغُول ووُجوده، وإِنما فِيهِ إِبطال زَعْمِ الْعَرَبِ فِي تَلَوُّنِهِ بالصُّوَر الْمُخْتَلِفَةِ واغْتياله، فَيَكُونُ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ لَا غُولَ أَنها لَا تَسْتَطِيعُ أَن تُضل أَحداً، وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:

لَا غُولَ وَلَكِنِ السَّعالي

؛ السَّعالي: سَحَرَةُ الْجِنِّ، أَي وَلَكِنْ فِي الْجِنِّ سَحَرَةٌ لَهُمْ تَلْبِيسٌ وَتَخْيِيلٌ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي أَيوب: كَانَ لِي تمرٌ فِي سَهْوَةٍ فَكَانَتِ الغُول تَجِيءُ فتأْخذ.

والغُول: الحيَّة، وَالْجَمْعُ أَغْوال؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

ومَسْنونةٍ زُرقٍ كأَنْياب أَغْوال

قَالَ أَبو حَاتِمٍ: يُرِيدُ أَن يَكْبُرَ بِذَلِكَ ويعظُم؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ؛ وَقُرَيْشٌ لَمْ تَرَ رأْس شَيْطَانٍ قَطُّ، إِنما أَراد تَعْظِيمَ ذَلِكَ فِي صُدُورِهِمْ، وَقِيلَ: أَراد امْرُؤُ الْقَيْسِ بالأَغْوال الشَّيَاطِينَ، وَقِيلَ: أَراد الْحَيَّاتِ، وَالَّذِي هُوَ أَصح فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ لَا غُول مَا قَالَ

عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِن أَحداً لَا يَسْتَطِيعُ أَن يَتَحَوَّلَ عَنْ صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ لَهُمْ سحرَة كَسَحَرَتِكُمْ، فإِذا أَنتم رأَيتم ذَلِكَ فأَذِّنوا

؛ أَراد أَنها تُخَيَّلُ وَذَلِكَ سِحْرٌ مِنْهَا. ابْنُ شُمَيْلٍ: الغُول شَيْطَانٌ يأْكل النَّاسَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلُّ مَا اغْتالك مِنْ جِنٍّ أَو شَيْطَانٍ أَو سبُع فَهُوَ غُول، وَفِي الصِّحَاحِ: كُلُّ مَا اغْتال الإِنسان فأَهلكه فَهُوَ غُول. وَذُكِرَتِ الغِيلان عِنْدَ

عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِذا رَآهَا أَحدكم فليؤذِّن فإِنه لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ خَلْقِهِ الَّذِي خُلِقَ لَهُ.

وَيُقَالُ: غالَتْه غُول إِذا وَقَعَ فِي مَهْلَكَةٍ. والغَوْل: بُعْد المَفازة لأَنه يَغْتال مَنْ يَمُرُّ بِهِ؛ وَقَالَ:

بِهِ تَمَطَّتْ غَوْلَ كلِّ مِيلَهِ، ... بِنا حَراجِيجُ المَهارى النُّفَّهِ

المِيلَهُ: أَرض تُوَلّه الإِنسان أَي تحيِّره، وَقِيلَ: لأَنها تَغْتال سَيْرَ الْقَوْمِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: غَوْل الأَرض أَن يَسِيرَ فِيهَا فَلَا تَنْقَطِعَ. وأَرض غَيِلة: بَعِيدَةُ الغَوْل، عَنْهُ أَيضاً. وَفَلَاةٌ تَغَوَّلَ أَي لَيْسَتْ بيِّنة الطُّرُقِ فَهِيَ تُضَلِّل أَهلَها، وتَغَوُّلها اشتِباهُها وتلوُّنها. والغَوْل: بُعْد الأَرض، وأَغْوالها أَطرافُها، وإِنما سُمِّيَ غَوْلًا لأَنها تَغُولُ السَّابِلَة أَي تقذِف بِهِمْ وتُسقطهم وتبعِدهم. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ مَا أَبعد غَوْل هَذِهِ الأَرض أَي مَا أَبعد ذَرْعها، وإِنها لِبَعِيدَةُ الغَوْل. وَقَدْ تَغَوَّلت الأَرض بِفُلَانٍ أَي أَهلكته وَضَلَّلَتْهُ. وَقَدْ غَالَتْهم تِلْكَ الأَرض إِذا هَلَكُوا فِيهَا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

ورُبّ مَفازةٍ قُذُف جَمُوحٍ، ... تَغُولُ مُنَحِّبَ القَرَبِ اغْتِيالا

وَهَذِهِ أَرض تَغْتال المَشْيَ أَي لَا يَسْتَبين فِيهَا الْمَشْيُ مِنْ بُعْدها وَسِعَتِهَا؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>