للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَصَبَ المَنْزَل لأَنه مَصْدَرٌ. وأَنْزَلَه غيرُه واسْتَنْزَلَه بِمَعْنًى، ونَزَّلَه تَنْزِيلًا، والتَّنْزِيل أَيضاً: الترتيبُ. والتَنَزُّل: النُّزول فِي مُهْلة. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِن اللَّهَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ يَنْزِل كُلَّ لَيْلَةٍ إِلى سَمَاءِ الدُّنْيَا

؛ النُّزُول والصُّعود وَالْحَرَكَةُ والسكونُ مِنْ صِفَاتِ الأَجسام، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَيَتَقَدَّسُ، وَالْمُرَادُ بِهِ نُزول الرَّحْمَةِ والأَلطافِ الإِلهية وقُرْبها مِنَ الْعِبَادِ، وتخصيصُها بِاللَّيْلِ وبالثُلث الأَخيرِ مِنْهُ لأَنه وقتُ التهجُّد وغفلةِ النَّاسِ عمَّن يتعرَّض لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ النيةُ خَالِصَةً والرغبةُ إِلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وافِرة، وَذَلِكَ مَظِنَّة الْقَبُولِ والإِجابة. وَفِي حَدِيثِ الْجِهَادِ:

لَا تُنْزِلْهم عَلَى حُكْم اللَّهِ وَلَكِنْ أَنزِلْهم عَلَى حُكْمِك

أَي إِذَا طَلب العدوُّ مِنْكَ الأَمان والذِّمامَ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فلا تُعْطيهم، وأَعطِهم عَلَى حُكْمِكَ، فإِنك ربَّما تُخْطِئُ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَو لَا تَفِي بِهِ فتأْثَم. يُقَالُ: نَزَلْتُ عَنِ الأَمر إِذا تركتَه كأَنك كُنْتَ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِ مُسْتَوْلِيًا. وَمَكَانٌ نَزِل: يُنْزَل فِيهِ كَثِيرًا؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. ونَزَلَ مِنْ عُلْوٍ إِلى سُفْل: انْحَدَرَ. والنِّزَالُ فِي الحربْ: أَن يتَنازَل الْفَرِيقَانِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: أَن يَنْزل الفَرِيقان عَنْ إِبِلهما إِلى خَيْلهما فيَتضاربوا، وَقَدْ تَنَازَلُوا. ونَزالِ نَزالِ أَي انزِلْ، وَكَذَا الِاثْنَانِ والجمعُ والمؤنثُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ؛ وَاحْتَاجَ الشَّمَّاخُ إِليه فثقَّله فَقَالَ:

لَقَدْ عَلِمَتْ خيلٌ بمُوقانَ أَنَّني ... أَنا الفارِسُ الْحَامِي، إِذا قِيلَ: نَزَّال «١»

. الْجَوْهَرِيُّ: ونَزَالِ مِثْلَ قَطامِ بِمَعْنَى انْزِل، وَهُوَ مَعْدُولٌ عَنِ المُنازَلة، وَلِهَذَا أَنثه الشَّاعِرُ بِقَوْلِهِ:

ولَنِعْم حَشْوُ الدِّرْعِ أَنتَ، إِذا ... دُعِيَتْ نَزالِ، ولُجَّ فِي الذُّعْرِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لِزَيْدِ الْخَيْلِ:

وَقَدْ علمتْ سَلامةُ أَن سَيْفي ... كَرِيهٌ، كُلَّمَا دُعِيَتْ نزالِ

وقال جُرَيبة الْفَقْعَسِيُّ:

عَرَضْنا نَزالِ، فَلَمْ يَنْزِلوا، ... وَكَانَتْ نَزالِ عَلَيْهِمْ أَطَمْ

قَالَ: وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ نَزالِ مَعْدُولٌ مِنَ المُنازلة، يَدُلُّ عَلَى أَن نَزالِ بِمَعْنَى المُنازلة لَا بِمَعْنَى النُّزول إِلى الأَرض؛ قَالَ: ويقوِّي ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ أَيضاً:

وَلَقَدْ شهدتُ الخيلَ، يومَ طِرادِها، ... بسَلِيم أَوْظِفةِ القَوائم هَيْكل

فَدَعَوْا: نَزالِ فكنتُ أَولَ نَازِلٍ، ... وعَلامَ أَركبُه إِذا لَمْ أَنْزِل؟

وَصَفَ فَرَسَهُ بِحُسْنِ الطَّرَادِ فَقَالَ: وعلامَ أَركبُه إِذا لَمْ أُنازِل الأَبطال عَلَيْهِ؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ:

فلِمْ أَذْخَر الدَّهْماءَ عِنْدَ الإِغارَةِ، ... إِذا أَنا لَمْ أَنزِلْ إِذا الْخَيْلُ جالَتِ؟

فَهَذَا بِمَعْنَى المُنازلة فِي الْحَرْبِ والطِّراد لَا غَيْرَ؛ قَالَ: ويدلُّك عَلَى أَن نَزالِ فِي قَوْلِهِ: فَدعَوْا نَزالِ بِمَعْنَى المُنازلة دُونَ النُّزول إِلى الأَرض قَوْلُهُ:

وعَلامَ أَركبه إِذا لَمْ أَنزل؟

أَي ولِمَ أَركبُه إِذا لَمْ أُقاتل عَلَيْهِ أَي فِي حِينِ عَدَمِ قِتَالِي عَلَيْهِ، وإِذا جَعَلْتَ نَزالِ بِمَعْنَى النُّزُولِ إِلى الأَرض


(١). قوله [لقد علمت خيل إلخ] هكذا في الأصل بضمير التكلم، وأَنشده ياقوت عند التكلم على موقان للشماخ ضمن أبيات يمدح بها غيره بلفظ:
وقد علمت خيل بموقان أنه ... هو الْفَارِسُ الْحَامِي إِذَا قِيلَ تنزال

<<  <  ج: ص:  >  >>