للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإِنما أَراد الحَمام، فَحَذَفَ الْمِيمَ وَقَلَبَ الأَلف يَاءً؛ قال أَبو إِسحق: هَذَا الحذفُ شَاذٌّ لَا يَجُوزُ أَن يُقَالَ فِي الحِمار الحِمي، تُرِيدُ الحِمار، فأَما الحَمام هُنَا فإِنما حُذِفَ مِنْهَا الأَلف فَبَقِيَتِ الحَمَم، فَاجْتَمَعَ حَرْفَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَلَزِمَهُ التَّضْعِيفُ فأَبدل مِنَ الْمِيمِ يَاءً، كَمَا تَقُولُ فِي تظنَّنْت تظنَّيْت، وَذَلِكَ لِثِقَلِ التَّضْعِيفِ، وَالْمِيمُ أَيضاً تُزِيدُ فِي الثِّقَلِ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ. وَرَوَى

الأَزهري عَنِ الشَّافِعِيِّ: كلُّ مَا عَبَّ وهَدَر فَهُوَ حَمام

، يَدْخُلُ فِيهَا القَمارِيُّ والدَّباسِيُّ والفَواخِتُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُطَوَّقة أَو غَيْرَ مطوَّقة، آلِفةً أَو وَحْشِيَّةً؛ قَالَ الأَزهري: جَعَلَ الشَّافِعِيُّ اسْمَ الحَمام وَاقِعًا عَلَى مَا عَبَّ وهَدَر لَا عَلَى مَا كَانَ ذَا طَوْقٍ، فَتَدْخُلُ فِيهِ الوُرْق الأَهلية والمُطَوَّقة الْوَحْشِيَّةُ، وَمَعْنَى عَبَّ أَي شَرِبَ نَفَساً نَفَساً حَتَّى يَرْوَى، وَلَمْ يَنْقُر الْمَاءَ نَقْراً كَمَا تَفْعَلُهُ سَائِرُ الطَّيْرِ. والهَدير: صَوْتُ الْحَمَامِ كُلِّهِ، وجمعُ الحَمامة حَمام وحَمامات وحَمائم، وَرُبَّمَا قَالُوا حَمام لِلْوَاحِدِ؛ وأَنشد قَوْلَ الْفَرَزْدَقِ:

كأَنَّ نِعالَهن مُخَدَّماتٍ، ... عَلَى شرَك الطريقِ إِذا اسْتَنَارَا

تُساقِطُ رِيشَ غادِيةٍ وغادٍ ... حَمامَيْ قَفْرةٍ وقَعا فَطَارَا

وَقَالَ جِرانُ العَوْد:

وذَكَّرَني الصِّبا، بَعْدَ التَّنائي، ... حَمامةُ أَيْكةٍ تَدْعو حَماما

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والحَمام عِنْدَ الْعَرَبِ ذَوَاتُ الأَطواق مِنْ نَحْوِ الفَواخِت والقَمارِيّ وساقِ حُرٍّ والقَطا والوَراشِين وأَشباه ذَلِكَ، يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ والأُنثى، لأَن الْهَاءَ إِنما دَخَلَتْهُ عَلَى أَنه وَاحِدٌ مِنْ جِنْسٍ لَا للتأْنيث، وَعِنْدَ الْعَامَّةِ أَنها الدَّواجِنُ فَقَطْ، الْوَاحِدَةُ حَمامة؛ قَالَ حُمَيْد بْنُ ثوْرٍ الْهِلَالِيُّ:

وَمَا هاجَ هَذَا الشَّوْقَ إِلَّا حمامةٌ ... دَعَتْ ساقَ حُرٍّ، تَرْحةً وتَرَنُّما

والحَمامة هَاهُنَا: قُمْرِيَّةٌ؛ وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ:

واحْكُمْ كحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ، إِذ نَظَرتْ ... إِلى حَمامٍ شِراعٍ وارِدِ الثَّمَدِ «٣»

هَذِهِ زَرْقاء الْيَمَامَةِ نَظَرَتْ إِلى قَطاً؛ أَلا تَرَى إِلى قَوْلِهَا:

لَيت الحَمامَ لِيَهْ ... إِلى حمامَتِيَهْ،

ونِصْفَه قَدِيَهْ، ... تَمَّ القَطاةُ مِيَهْ

قَالَ: والدَّواجن الَّتِي تُسْتَفْرَخ فِي الْبُيُوتِ حَمام أَيضاً، وأَما اليَمام فَهُوَ الحَمامُ الْوَحْشِيُّ، وَهُوَ ضَرْب مِنْ طَيْرِ الصَّحْرَاءِ، هَذَا قَوْلُ الأَصمعي، وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ: الحَمام هُوَ الْبَرِّيُّ، وَالْيَمَامُ هُوَ الَّذِي يأْلف الْبُيُوتَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ:

أَنه كَانَ يُعْجبه النَّظَرُ إِلى الأُتْرُجِّ والحَمام الأَحْمَر

؛ قَالَ أَبو مُوسَى: قَالَ هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ هُوَ التُّفَّاحُ؛ قَالَ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وحُمَة الْعَقْرَبِ، مُخَفَّفَةُ الْمِيمِ: سَمُّها، وَالْهَاءُ عِوَضٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَسَنَذْكُرُهُ فِي الْمُعْتَلِّ. ابْنُ الأَعرابي: يقال لِسَمّ العقرب الحُمَّة والحُمَةُ، وَغَيْرُهُ لَا يُجِيزُ التَّشْدِيدَ، يَجْعَلُ أَصله حُمْوَةً.


(٣). وفي رواية أَخرى: سِراعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>