للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأَصْبَحَ فِي غَبْراءَ بعدَ إشاحَةٍ، ... عَلَى العَيْشِ، مَرْدُودٍ عَلَيْهَا ظَلِيمُها

يَعْنِي حُفْرَةَ الْقَبْرِ يُرَدُّ تُرابها عَلَيْهِ بَعْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ فِيهَا. وَقَالُوا: لَا تَظْلِمْ وَضَحَ الطريقِ أَي احْذَرْ أَن تَحِيدَ عَنْهُ وتَجُورَ فَتَظْلِمَه. والسَّخِيُّ يُظْلَمُ إِذَا كُلِّفَ فوقَ مَا فِي طَوْقِهِ، أَو طُلِبَ مِنْهُ مَا لَا يجدُه، أَو سُئِلَ مَا لَا يُسْأَلُ مثلُه، فَهُوَ مُظَّلِمٌ وَهُوَ يَظَّلِمُ وَيَنْظَلِمُ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ قَوْلَ زُهَيْرٍ:

هُوَ الجَوادُ الَّذِي يُعْطِيكَ نائِله ... عَفْواً، ويُظْلَمُ أَحْياناً فيَظَّلِمُ

أَي يُطْلَبُ مِنْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الطَّلَب، وَهُوَ عِنْدُهُ يَفْتعِلُ، وَيُرْوَى يَظْطَلِمُ، وَرَوَاهُ الأَصمعي يَنْظَلِمُ. الْجَوْهَرِيُّ: ظَلَّمْتُ فُلَانًا تَظْلِيماً إِذَا نَسَبْتَهُ إِلَى الظُّلْمِ فانْظَلَم أَي احْتَمَلَ الظُّلْم؛ وأَنشد بَيْتَ زُهَيْرٍ:

ويُظْلَم أَحياناً فَيَنْظَلِمُ

وَيُرْوَى فيَظَّلِمُ أَي يَتَكَلَّفُ، وَفِي افْتَعَل مِنْ ظَلَم ثلاثُ لغاتٍ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ التَّاءَ طَاءً ثُمَّ يُظْهِر الطَّاءَ وَالظَّاءَ جَمِيعًا فَيَقُولُ اظْطَلَمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْغِمُ الظَّاءَ فِي الطَّاءِ فَيَقُولُ اطَّلَمَ وَهُوَ أَكثر اللُّغَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُ أَن يُدْغِمَ الأَصلي فِي الزَّائِدِ فَيَقُولَ اظَّلَم، قَالَ: وأَما اضْطَجَع فَفِيهِ لُغَتَانِ مَذْكُورَتَانِ فِي مَوْضِعِهِمَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَعْلُ الْجَوْهَرِيِّ انْظَلَم مُطاوعَ ظَلَّمتُهُ، بِالتَّشْدِيدِ، وَهَمٌ، وَإِنَّمَا انْظَلَم مطاوعُ ظَلَمْتُه، بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قَالَ زهير:

ويُظْلَم أَحْياناً فيَنْظَلِمُ

قَالَ: وأَما ظَلَّمْتُه، بِالتَّشْدِيدِ، فمطاوِعُه تَظَلَّمَ مِثْلُ كَسَّرْتُه فتَكَسَّرَ، وظَلَم حَقَّه يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ فِي مِثْلِ ظَلَمني حَقِّي حَمْلًا عَلَى مَعْنَى سَلَبَني حَقِّي؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا*

؛ وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فَتِيلًا وَاقِعًا مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ أَي ظُلْماً مِقْدارَ فَتِيلٍ. وبيتٌ مُظَلَّمٌ: مُزَوَّقٌ كأَنَّ النَّصارَى وَضَعَتْ فِيهِ أَشياء فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ فَإِذَا البيتُ مُظَلَّمٌ فَانْصَرَفَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَدْخُلْ

؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ المُزَوَّقُ، وَقِيلَ: هُوَ المُمَوَّهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، قَالَ: وَقَالَ الهَرَوِيُّ أَنكره الأَزهري بِهَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ مِنْ الظَّلْمِ وَهُوَ مُوهَةُ الذَّهَبِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَاءِ الْجَارِي عَلَى الثَّغْرِ ظَلْمٌ. وَيُقَالُ: أَظْلَم الثَّغْرُ إِذَا تَلأْلأَ عَلَيْهِ كَالْمَاءِ الرَّقِيقِ مِنْ شدَّة بَرِيقه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِذَا مَا اجْتَلَى الرَّاني إِلَيْهَا بطَرْفِه ... غُرُوبَ ثَناياها أَضاءَ وأَظْلَما

قَالَ: أَضاء أَي أَصاب ضوءاً، أَظْلَم أَصَابَ ظَلْماً. والظُّلْمَة والظُّلُمَة، بِضَمِّ اللَّامِ: ذَهَابُ النُّورِ، وَهِيَ خِلَافُ النُّورِ، وجمعُ الظُّلْمةِ ظُلَمٌ وظُلُماتٌ وظُلَماتٌ وظُلْمات؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

يَجْلُو بعَيْنَيْهِ دُجَى الظُّلُماتِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ظُلَمٌ جَمْعُ ظُلْمَة، بِإِسْكَانِ اللَّامِ، فأَما ظُلُمة فَإِنَّمَا يَكُونُ جَمْعُهَا بالأَلف وَالتَّاءِ، وَرَأَيْتُ هُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>