للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجاء باللغتين جميعاً. وقالوا: آنَ أَيْنُك وإينُك وَآنَ آنُك أَي حانَ حينُك، وآنَ لَكَ أَن تَفْعَلَ كَذَا يَئينُ أَيْناً؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ، أَي حانَ، مِثْلَ أَنى لَكَ، قَالَ: وَهُوَ مقلوبٌ مِنْهُ. وَقَالُوا: الْآنَ فَجَعَلُوهُ اسْمًا لِزَمَانِ الْحَالِ، ثُمَّ وَصَفُوا للتوسُّع فَقَالُوا: أَنا الآنَ أَفعل كَذَا وَكَذَا، والأَلف وَاللَّامَ فِيهِ زَائِدَةٌ لأَنَّ الاسمَ مَعْرِفَةٌ بِغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةٌ بِلَامٍ أُخرى مقدَّرة غَيْرِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ جِنِّي قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ

؛ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَن اللَّامَ فِي الْآنَ زَائِدَةٌ أَنها لَا تَخْلُو مِنْ أَن تكونَ لِلتَّعْرِيفِ كَمَا يظنُّ مخالفُنا، أَو تَكُونَ زَائِدَةٌ لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ، فَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنها لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ أَنَّا اعْتَبَرْنَا جميعَ مَا لامُه لِلتَّعْرِيفِ، فَإِذَا إسقاطُ لامِه جَائِزٌ فِيهِ، وَذَلِكَ نَحْوَ رَجُلٍ وَالرَّجُلِ وَغُلَامٍ وَالْغُلَامِ، وَلَمْ يَقُولُوا افْعَلْه آنَ كَمَا قَالُوا افعَلْه الآنَ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَن اللامَ فِيهِ لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ بَلْ هِيَ زَائِدَةٌ كَمَا يُزاد غيرُها مِنَ الْحُرُوفِ، قَالَ: فَإِذَا ثَبتَ أَنها زائدةٌ فَقَدْ وَجَبَ النظرُ فِيمَا يُعَرَّف بِهِ الْآنَ فَلَنْ يَخْلُوَ مِنْ أَحد وُجُوهِ التَّعْرِيفِ الْخَمْسَةِ: إِمَّا لأَنه مِنَ الأَسماء المُضْمَرة أَو مِنَ الأَسماء الأَعلام، أَو مِنَ الأَسماء المُبْهَمة، أَو مِنَ الأَسماء الْمُضَافَةِ، أَوْ مِنَ الأَسماء المُعَرَّفة بِاللَّامِ، فمُحالٌ أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الْمُضْمَرَةِ لأَنها مَعْرُوفَةٌ مَحْدُودَةٌ وَلَيْسَتِ الْآنَ كَذَلِكَ، ومُحالٌ أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الأَعْلام لأَن تِلْكَ تخُصُّ الْوَاحِدَ بعَيْنه، وَالْآنَ تقعَ عَلَى كلِّ وقتٍ حَاضِرٍ لَا يَخُصُّ بعضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحدٌ إِنَّ الْآنَ مِنَ الأَسماء الأَعلام، ومُحالٌ أَيضاً أَنْ تَكُونَ مِنْ أَسماء الإِشارة لأَن جَمِيعَ أَسماء الإِشارة لَا تَجِدُ فِي واحدٍ مِنْهَا لامَ التَّعْرِيفِ، وَذَلِكَ نَحْوَ هَذَا وَهَذِهِ وَذَلِكَ وَتِلْكَ وَهَؤُلَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وذهب أَبو إسحق إِلَى أَن الْآنَ إِنَّمَا تَعَرُّفه بالإِشارة، وأَنه إِنَّمَا بُنِيَ لِمَا كَانَتِ الأَلف واللام فيه لغير عهد مُتَقَدِّمٍ، إِنَّمَا تقولُ الْآنَ كَذَا وَكَذَا لِمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَكَ مَعَهُ ذِكْر الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، فأَما فَسَادُ كَوْنِهِ مِنْ أَسماء الإِشارة فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكرُه، وأَما مَا اعْتَلَّ بِهِ مِنْ أَنه إِنَّمَا بُنيَ لأَن الأَلف واللام فيه لغير عهدٍ متقَدِّمٍ ففاسدٌ أَيضاً، لأَنا قَدْ نَجِدُ الأَلف وَاللَّامَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَسماء عَلَى غَيْرِ تقدُّم عهْد، وَتِلْكَ الأَسماء مَعَ كَوْنِ اللَّامِ فِيهَا مَعارف، وَذَلِكَ قَوْلُكَ يَا أَيها الرجلُ، ونظَرْتُ إِلَى هَذَا الْغُلَامِ، قَالَ: فَقَدْ بطلَ بِمَا ذكَرْنا أَن يَكُونَ الآنَ مِنَ الأَسماء الْمُشَارِ بِهَا، ومحالٌ أَيضاً أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء المتعَرِّفة بالإِضافة لأَننا لَا نُشَاهِدُ بَعْدَهُ اسْمًا هُوَ مُضَافٌ إِلَيْهِ، فَإِذَا بَطَلَت واسْتَحالت الأَوجه الأَربعة المقَدَّم ذكرُها لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَن يَكُونَ معرَّفاً بِاللَّامِ نَحْوَ الرَّجُلِ وَالْغُلَامِ، وَقَدْ دَلَّتِ الدلالةُ عَلَى أَن الْآنَ لَيْسَ مُعَرَّفاً بِاللَّامِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي فِيهِ، لأَنه لَوْ كَانَ مَعرَّفاً بِهَا لجازَ سُقوطُها مِنْهُ، فلزومُ هَذِهِ اللَّامِ لِلْآنَ دليلٌ عَلَى أَنها لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ، وَإِذَا كَانَ مُعَرَّفاً بِاللَّامِ لَا محالَةَ، واستَحال أَن تكونَ اللَّامُ فِيهِ هِيَ الَّتِي عَرَّفَتْه، وَجَبَ أَن يَكُونَ مُعَرَّفاً بِلَامٍ أُخرى غَيْرِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَمْسِ فِي أَنه تَعَرَّف بِلَامٍ مُرَادَّةٍ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا واحدٌ، وَلِذَلِكَ بُنِيَا لتضمُّنهما مَعْنَى حَرْفِ التَّعْرِيفِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَهَذَا رأْيُ أَبي عَلِيٍّ وَعَنْهُ أَخَذْتُه، وَهُوَ الصوابُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا الْآنَ آنُكَ، كَذَا قرأْناه فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ بِنَصْبِ الآنَ ورفعِ آنُك، وَكَذَا الآنَ حدُّ الزمانَيْن، هَكَذَا قرأْناه أَيضاً بِالنَّصْبِ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: اللَّامُ فِي قَوْلِهِمُ الآنَ حَدُّ الزَّمَانَيْنِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي قَوْلِكَ الرجلُ أَفضلُ مِنَ المرأَة

<<  <  ج: ص:  >  >>