أَي هَذَا الجنسُ أَفضلُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَكَذَلِكَ الْآنَ، إِذَا رَفَعَه جَعَلَه جنسَ هَذَا المُسْتَعْمَلِ فِي قَوْلِهِمْ كنتُ الْآنَ عِنْدَهُ، فَهَذَا مَعْنَى كُنتُ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْحَاضِرِ بعْضُه، وَقَدْ تَصَرَّمَتْ أَجزاءٌ مِنْهُ عِنْدَهُ، وبُنيت الْآنَ لتَضَمُّنها مَعْنَى الْحَرْفِ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: أَتَيْتُه آئِنَةً بَعْدَ آئِنَةٍ بِمَعْنَى آوِنةٍ. الْجَوْهَرِيُّ: الْآنَ اسمٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي أَنت فِيهِ، وَهُوَ ظَرْف غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، وَقَع مَعْرِفةً وَلِمَ تدخُل عَلَيْهِ الأَلفُ واللامُ لِلتَّعْرِيفِ، لأَنَّه لَيْس لَهُ مَا يَشْرَكُه، وربَّما فَتَحوا اللامَ وحَذَفوا الهمْزَتَيْنِ؛ وأَنشد الأَخفش:
وَقَدْ كُنْتَ تُخْفِي حُبَّ سَمْراءَ حِقْبَةً، ... فَبُحْ، لانَ منْها، بِالَّذِي أَنتَ بائِحُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قولُه حَذَفوا الهمزَتَين يَعْنِي الهمزةَ الَّتِي بَعْد اللامِ نَقَلَ حَرَكَتَهَا عَلَى اللامِ وحَذَفها، ولمَّا تَحَرَّكَت اللامُ سَقَطَتْ همزةُ الوَصْلِ الداخلةُ على اللام؛ وقال جَرِيرٌ:
أَلانَ وَقَدْ نَزَعْت إِلَى نُمَيْرٍ، ... فَهَذَا حينَ صِرْت لَهُمْ عَذابا
. قَالَ: ومثْلُ البيتِ الأَوَّل قولُ الآخَر:
أَلا يَا هِنْدُ، هِنْدَ بَني عُمَيْرٍ، ... أَرَثٌّ، لانَ، وَصْلُكِ أَم حَديدُ؟
وَقَالَ أَبو المِنْهالِ:
حَدَبْدَبَى بَدَبْدَبَى منْكُمْ، لانْ، ... إنَّ بَني فَزارَةَ بنِ ذُبيانْ
قَدْ طرقَتْ ناقَتُهُمْ بإنْسانْ ... مُشَنَّإٍ، سُبْحان رَبِّي الرحمنْ
أَنا أَبو المِنْهالِ بَعْضَ الأَحْيانْ، ... لَيْسَ عليَّ حَسَبي بِضُؤْلانْ
. التَّهْذِيبُ: الْفَرَّاءُ الْآنَ حرفٌ بُنِيَ عَلَى الأَلف وَاللَّامِ وَلَمْ يُخْلَعا مِنْهُ، وتُرِك عَلَى مَذْهَب الصفةِ لأَنَّه صفةٌ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ كَمَا رأَيتهم فَعَلوا بِالَّذِي وَالَّذِينَ، فَتَرَكوهما عَلَى مَذْهَبِ الأَداةِ والأَلفُ واللامُ لَهُمَا غَيْرُ مفارِقَةٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فإِن الأُلاء يَعْلَمُونَكَ مِنْهُمْ، ... كَعِلْمِ مَظْنُولٍ مَا دُمْتَ أَشعرا «٢»
. فأَدْخلَ الأَلف وَاللَّامَ عَلَى أُولاء، ثُمَّ تَرَكَها مَخْفُوضَةً فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَن تدخُلَها الأَلف وَاللَّامُ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
وإنِّي حُبِسْتُ اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه ... بِبابِكَ، حَتَّى كادَتِ الشمسُ تَغْربُ
فأَدخَلَ الأَلفَ وَاللَّامَ عَلَى أَمْسِ ثُمَّ تَرَكَهُ مَخْفُوضًا عَلَى جِهَةِ الأُلاء؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
وجُنَّ الخازِبازِ بِهِ جُنوناً
فمثلُ الْآنَ بأَنها كَانَتْ مَنْصُوبَةً قَبْلَ أَن تُدْخِلَ عَلَيْهَا الأَلفَ وَاللَّامَ، ثُمَّ أَدْخَلْتَهما فَلَمْ يُغَيِّراها، قَالَ: وأَصلُ الْآنَ إِنَّمَا كَانَ أَوَان، فحُذِفَت مِنْهَا الأَلف وغُيِّرت واوُها إِلَى الأَلف كَمَا قَالُوا فِي الرَّاحِ الرَّياح؛ قَالَ أَنشد أَبو القَمْقام:
كأَنَّ مكاكِيَّ الجِواءِ غُدَيَّةً، ... نَشاوَى تَساقَوْا بالرَّياحِ المُفَلْفَلِ
فَجَعَلَ الرَّياحَ والأَوانَ مرَّة عَلَى جِهَةٍ فَعَلٍ، وَمَرَّةً عَلَى جِهَةِ فَعالٍ، كَمَا قَالُوا زَمَن وزَمان، قَالُوا: وَإِنْ شِئْتَ جعلتَ الْآنَ أَصلها مِنْ قولِه آنَ لَكَ أَن تفعلَ، أَدخَلْتَ عَلَيْهَا الأَلفَ وَاللَّامَ ثُمَّ تركتَها عَلَى مَذْهَبِ فَعَلَ، فأَتاها النصبُ مِنْ نَصْبِ فعَل، وهو وجهٌ
(٢). قوله [فان الألاء إلخ] هكذا في الأَصل