للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَشْبِيهِ حُسْنى بذِكرى لِاخْتِلَافِ الحركات، فسيبويه قَدْ عَمل مثلَ هَذَا فَقَالَ: ومثلُ النَّضْرِ الحَسَن إلَّا أَن هَذَا مُسَكَّن الأَوْسَط، يَعْنِي النَّضْرَ، وَالْجَمْعُ الحُسْنَيات «١». والحُسَنُ، لَا يَسْقُطُ مِنْهُمَا الأَلف وَاللَّامُ لأَنها مُعاقبة، فأَما قِرَاءَةُ مَنْ قرأَ:

وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنى

، فَزَعَمَ الْفَارِسِيُّ أَنه اسْمُ المصدر، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً

، أَي قَوْلًا ذَا حُسْنٍ والخِطاب لِلْيَهُودِ أَي اصْدُقوا فِي صِفَةِ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى أَنه قَالَ: قَالَ بَعْضُ أَصحابنا اخْترْنا حَسَناً لأَنه يُرِيدُ قَوْلًا حَسَناً، قَالَ: والأُخرى مَصْدَرُ حَسُنَ يَحسُن حُسْناً، قَالَ: وَنَحْنُ نَذْهَبُ إِلى أَن الحَسَن شيءٌ مِنَ الحُسْن، والحُسْن شيءٌ مِنَ الْكُلِّ، وَيَجُوزُ هَذَا وَهَذَا، قَالَ: واخْتار أَبو حَاتِمٍ حُسْناً، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قرأَ حُسْناً بِالتَّنْوِينِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحدهما وَقُولُوا لِلنَّاسِ قَوْلًا ذَا حُسْنٍ، قَالَ: وَزَعَمَ الأَخفش أَنه يَجُوزُ أَن يَكُونَ حُسْناً فِي مَعْنَى حَسَناً، قَالَ: وَمَنْ قرأَ حُسْنى فَهُوَ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ أَن يقرأَ بِهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ

؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: الحُسْنَيان الموتُ أَو الغَلَبة، يَعْنِي الظفَر أَو الشَّهَادَةُ، وأَنَّثَهُما لأَنه أَراد الخَصْلتَين، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ

؛ أَي بِاسْتِقَامَةٍ وسُلوك الطَّرِيقِ الَّذِي درَج السَّابِقُونَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً

؛ يَعْنِي إِبراهيم، صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ، آتَيناه لِسانَ صِدْقٍ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ

؛ الصلواتُ الْخَمْسُ تكفِّر مَا بَيْنَهَا. والحَسَنةُ: ضدُّ السيِّئة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها

؛ وَالْجَمْعُ حَسَنات وَلَا يُكسَّر. والمَحاسنُ فِي الأَعمال: ضدُّ المَساوي. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ*

؛ الَّذِينَ يُحْسِنون التأْويلَ. وَيُقَالُ: إِنه كَانَ يَنْصر الضَّعِيفَ ويُعين الْمَظْلُومَ ويَعُود الْمَرِيضَ، فَذَلِكَ إِحْسانه. وقوله تعالى: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ*

؛ أَي يَدْفَعُونَ بِالْكَلَامِ الحَسَن مَا وردَ عَلَيْهِمْ مِنْ سَيِءِ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبو إِسحق فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ

؛ قَالَ: يَكُونَ تَمَامًا عَلَى المُحْسِن، الْمَعْنَى تَمَامًا مِنَ اللَّهِ عَلَى المُحْسِنين، وَيَكُونُ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَن عَلَى الَّذِي أَحْسَنه مُوسَى مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ واتِّباع أَمره، وَقَالَ: يُجْعل الَّذِي فِي مَعْنَى مَا يُرِيدُ تَمَامًا عَلَى مَا أَحْسَنَ مُوسَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ*

؛ قِيلَ: هُوَ أَن يأْخذَ مِنْ مَالِهِ مَا سَتَرَ عَوْرَتَه وسَدَّ جَوعَتَه. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ

؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَتَّبع الرَّسُولَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ

؛ أَحْسَنَ يَعْنِي حَسَّنَ، يَقُولُ حَسَّنَ خَلْقَ كلِّ شيءٍ، نَصَبَ خلقَه عَلَى الْبَدَلِ، وَمَنْ قرأَ خَلَقه فَهُوَ فِعْلٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى

، تأْنيث الأَحسن. يُقَالُ: الِاسْمُ الأَحْسَن والأَسماء الحُسْنى؛ وَلَوْ قِيلَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ الحُسْن لَجاز؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى؛ لأَن الْجَمَاعَةَ مؤَنثة. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً

؛ أَي يَفْعَلُ بِهِمَا مَا يَحْسُنُ حُسْناً. وقوله تعالى: اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ

؛ أَي اتَّبعوا الْقُرْآنَ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ: نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ

، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً

؛ أَي نِعْمةً، وَيُقَالُ حُظوظاً حسَنة. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ

، أَي نِعْمة، وَقَوْلُهُ: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ

، أَي غَنيمة وخِصب،


(١). قوله [والجمع الحسنيات] عبارة ابن سيدة بعد أن ساق جميع ما تقدم: وقيل الحسنى العاقبة والجمع إلخ فهو راجع لقوله وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى

<<  <  ج: ص:  >  >>