قَالَ: أَراد بالقَرْناء الْحَيَّةَ. والقَرْنانِ: مَنارَتانِ تُبْنَيَانِ عَلَى رأْس الْبِئْرِ تُوضَعُ عَلَيْهِمَا الْخَشَبَةُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا المِحْوَرُ، وتُعَلَّق مِنْهَا البَكَرةُ، وَقِيلَ: هُمَا مِيلانِ عَلَى فَمِ الْبِئْرِ تُعَلَّقُ بِهِمَا الْبَكَرَةُ، وَإِنَّمَا يُسَمَّيَانِ بِذَلِكَ إِذَا كَانَا مِنْ حِجَارَةٍ، فَإِذَا كَانَا مِنْ خَشَبٍ فَهُمَا دِعامتانِ. وقَرْنا البئرِ: هُمَا مَا بُنِيَ فعُرِّض فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ الخَشَبُ تُعَلَّقُ الْبَكَرَةُ مِنْهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
تَبَيَّنِ القَرْنَيْنِ، فانْظُرْ مَا هُمَا، ... أَمَدَراً أَم حَجَراً تَراهُما؟
وَفِي حَدِيثِ
أَبي أَيوب: فَوَجَدَهُ الرسولُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ القَرْنَيْنِ
؛ هُمَا قَرْنا الْبِئْرِ الْمَبْنِيَّانِ عَلَى جَانِبَيْهَا، فإن كَانَتَا مِنْ خَشَبٍ فَهُمَا زُرْنُوقان. والقَرْنُ أَيضاً: البَكَرَةُ، وَالْجَمْعُ أَقْرُنٌ وقُرُونٌ. وقَرْنُ الْفَلَاةِ: أَوّلها. وقَرْنُ الشَّمْسِ: أَوّلها عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وأَعلاها، وَقِيلَ: أَوَّلُ شُعَاعِهَا، وَقِيلَ: ناحيتها. وفي الحديث حَدِيثِ الشَّمْسَ:
تَطْلُع بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطانٍ، فَإِذَا طَلَعَتْ قارَنَها، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا؛ وَنَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ
، وَقِيلَ: قَرْنا الشَّيْطَانِ نَاحِيَتَا رأْسه، وَقِيلَ: قَرْناه جَمْعاهُ اللَّذَانِ يُغْريهما بِإِضْلَالِ الْبَشَرِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الأَشِعَّةَ «٣». الَّتِي تَتَقَضَّبُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ويُتَراءَى للعيون أَنها تُشْرِف عَلَيْهِمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
فَصَبَّحَتْ، والشمسُ لَمْ تُقَضِّبِ، ... عَيْناً بغَضْيانَ ثَجُوجِ العُنْبُب
قِيلَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ وقَرْنَيْه يُدْحَرُونَ عَنْ مَقامهم مُرَاعِين طلوعَ الشَّمْسِ لَيْلَةَ القَدر، فَلِذَلِكَ تَطْلُع الشمسُ لَا شُعاعَ لَهَا، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ أُبيّ بْنِ كَعْبٍ وَذِكْرِهِ آيةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقِيلَ: القَرْنُ القُوَّة أَيْ حِينَ تَطْلُع يَتَحَرَّكُ الشَّيْطَانُ وَيَتَسَلَّطُ فَيَكُونُ كالمُعِينِ لَهَا، وَقِيلَ: بَيْنَ قَرْنَيْه أَيْ أُمَّتَيْه الأَوّلين وَالْآخِرَيْنِ، وَكُلُّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِمَنْ يَسْجُدُ لِلشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا، فكأَنَّ الشَّيْطَانَ سَوَّل لَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا سَجَدَ لَهَا كَانَ كأَن الشَّيْطَانَ مُقْتَرِنٌ بِهَا. وَذُو القَرْنَيْنِ الموصوفُ فِي التَّنْزِيلِ: لَقَبٌ لإِسْكَنْدَرَ الرُّوميّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه قَبَضَ عَلَى قُرون الشَّمْسِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لأَنه دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْعِبَادَةِ فَقَرَنُوه أَي ضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنَيْ رأْسه، وَقِيلَ: لأَنه كَانَتْ لَهُ ضَفيرتان، وَقِيلَ: لأَنه بَلَغَ قُطْرَي الأَرض مَشْرِقَهَا وَمَغْرِبَهَا،
وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ لَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّكَ لَذُو قَرْنَيْها
؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: ذُو قَرْنَي الْجَنَّةِ أَي طَرَفَيْهَا؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَا أَحسبه أَراد هَذَا، وَلَكِنَّهُ أَراد بِقَوْلِهِ ذُو قَرْنَيْهَا أَي ذُو قَرْنَيِ الأُمة، فأَضمر الأُمة وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ؛ أَراد الشَّمْسَ وَلَا ذِكْرَ لَهَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ؛ وَكَقَوْلِ حَاتِمٍ:
أَماوِيَّ، مَا يُغْني الثَّراءُ عَنِ الفَتَى، ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا، وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
يَعْنِي النفْسَ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَنا أَختار هَذَا التَّفْسِيرَ الأَخير عَلَى الأَول لِحَدِيثٍ يُرْوَى
عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنه ذَكَرَ ذَا القَرْنَيْنِ فَقَالَ: دَعَا قَوْمَهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنَيه ضَرْبَتَيْنِ وَفِيكُمْ مِثْلُه
؛ فنُرَى أَنه أَراد نَفْسه، يَعْنِي أَدعو إِلَى الْحَقِّ حَتَّى يُضرب رأْسي ضَرْبَتَيْنِ يكون
(٣). قوله [ويقال إن الأَشعة إلخ] كذا بالأَصل ونسخة من التهذيب، والذي في التكملة بعد قوله تشرف عليهم: هي قرنا الشيطان