للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ التأْنيث رَاجِعًا إِلَى مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَذَلِكَ لأَن الدَّاهِيَةَ تُوصَفُ بِالْعُمُومِ وَالْكَثْرَةِ وَالِانْتِشَارِ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: إِنَّمَا ذَكَّرَهُ لأَنه ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَعْنَى الْجِنْسِ. التَّهْذِيبُ: مَنْ ذَكَّرَ الْمَنُونَ أَراد بِهِ الدَّهْرَ؛ وأَنشد بَيْتَ أَبي ذُؤَيْبٍ أَيضاً:

أَمِنَ المَنُون ورَيْبه تَتَوَجَّعُ

وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ للأَعشى:

أَأَن رأَتْ رَجُلًا أَعْشى أَضرَّ بِهِ ... رَيْبُ المَنُونِ، ودهْرٌ مُتبلٌ خبِل

ابْنُ الأَعرابي: قَالَ الشَّرْقِيّ بْنُ القُطامِيِّ المَنايا الأَحداث، وَالْحِمَامُ الأَجَلُ، والحَتْفُ القَدَرُ، والمَنُون الزَّمَانُ. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: والمَنُونُ يُحْمَلُ مَعْنَاهُ عَلَى المَنايا فَيُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْجَمْعِ؛ وأَنشد بَيْتَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ:

مَن رأَيْتَ المَنونَ عَزَّيْنَ

أَراد الْمَنَايَا فَلِذَلِكَ جَمَعَ الْفِعْلَ. والمَنُونُ: الْمَنِيَّةُ لأَنها تَقْطَعُ المَدَدَ وَتُنْقِصُ العَدَد. قَالَ الْفَرَّاءُ: والمَنُون مُؤَنَّثَةٌ، وَتَكُونُ وَاحِدَةً وَجَمْعًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المَنُون الدَّهْرُ، وَهُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ

؛ أَي حَوَادِثَ الدَّهْرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِه تَتَوَجَّعُ

قَالَ: أَي مِنَ الدَّهْرِ وَرَيْبِهِ؛ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

والدهرُ لَيْسَ بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

فأَما مَنْ قَالَ: وَرَيْبُهَا فَإِنَّهُ أَنث عَلَى مَعْنَى الدُّهُورِ، وَرَدَّهُ عَلَى عُمُومِ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا؛ وَكَقَوْلِ أَبي ذُؤَيْبٍ:

فالعَيْن بعدهُمُ كأَنَّ حِدَاقَها

وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ؛ وَكَقَوْلِ الهُذَليِّ:

تَراها الضَّبْعَ أَعْظَمَهُنَّ رأْسا

قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى أَن المَنُون يرادُ بِهَا الدُّهور قَوْلُ الجَعْديّ:

وعِشْتِ تعيشين إنَّ المَنُونَ ... كانَ المَعايشُ فِيهَا خِساسا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَسَّرَ الأَصمعي المَنُون هُنَا بِالزَّمَانِ وأَراد بِهِ الأَزمنة؛ قَالَ: ويدُلّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ الْبَيْتِ:

فَحِيناً أُصادِفُ غِرَّاتها، ... وَحِينًا أُصادِفُ فِيهَا شِماسا

أَي أُصادف فِي هَذِهِ الأَزمنة؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ مَا أَنشده عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمِّهِ الأَصمعي:

غلامُ وَغىً تَقَحّمها فأَبْلى، ... فَخَانَ بلاءَه الدهرُ الخَؤُونُ

فَإِنَّ عَلَى الفَتى الإِقْدامَ فِيهَا، ... وَلَيْسَ عَلَيْهِ مَا جَنَتِ المَنُونُ

قَالَ: والمَنُون يُرِيدُ بِهَا الدُّهُورَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ:

فخانَ بلاءَه الدَّهْرُ الخَؤُونُ

قَالَ: وَمِنْ هَذَا قَوْلُ كَعْب بْنُ مَالِكٍ الأَنصاري:

أَنسيتمُ عَهْدَ النَّبِيِّ إليكمُ، ... وَلَقَدْ أَلَظَّ وأَكَّدَ الأَيْمانا

أَن لَا تَزالوا مَا تَغَرَّدَ طائرٌ ... أُخْرى المَنُونِ مَوالِياً إخْوانا

<<  <  ج: ص:  >  >>