للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَي إِلى آخِرِ الدَّهْرِ؛ قَالَ: وأَما قَوْلُ النَّابِغَةِ:

وَكُلُّ فَتىً، وإِنْ أَمْشى وأَثْرَى، ... سَتَخْلِجُه عَنِ الدُّنْيَا المَنُونُ

قَالَ: فَالظَّاهِرُ أَنه الْمَنِيَّةُ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبي طَالِبٍ:

أَيّ شَيْءٍ دهاكَ أَو غال مَرْعاك، ... وَهَلْ أَقْدَمَتْ عَلَيْكَ المَنُون؟

قَالَ: المَنُونُ هُنَا الْمَنِيَّةُ لَا غَيْرَ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ حَسَّان:

تَمَخَّضَتِ المَنُونُ لَهُ بيَوْمٍ ... أَنَى، وَلِكُلِّ حاملةٍ تَمامُ

وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ أَحمر:

لَقُوا أُمَّ اللُّهَيْمِ فجَهَّزَتْهُمْ ... غَشُومَ الوِرْدِ نَكْنِيها المَنونا

أُم اللُّهَيمِ: اسْمٌ لِلْمَنِيَّةِ، والمنونُ هُنَا: الْمَنِيَّةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي دُوَادٍ:

سُلِّطَ الموتُ والمَنُونُ عَلَيْهِمْ، ... فَهُمُ فِي صَدَى المَقابِرِ هامُ

ومَنَّ عَلَيْهِ يَمُنُّ مَنّاً: أَحسن وأَنعم، وَالِاسْمُ المِنَّةُ. ومَنَّ عَلَيْهِ وامْتَنَّ وتمَنَّنَ: قَرَّعَه بِمِنَّةٍ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

أَعْطاكَ يَا زَيْدُ الَّذِي يُعْطي النِّعَمْ، ... مِنْ غيرِ مَا تمَنُّنٍ وَلَا عَدَمْ،

بَوائكاً لَمْ تَنْتَجِعْ مَعَ الغَنَم

وَفِي الْمَثَلِ: كَمَنِّ الغيثِ عَلَى العَرْفَجةِ، وَذَلِكَ أَنها سَرِيعَةُ الِانْتِفَاعِ بِالْغَيْثِ، فإِذا أَصابها يَابِسَةً اخضرَّت؛ يَقُولُ: أَتَمُنُّ عليَّ كمَنِّ الغيثِ عَلَى العرفجةِ؟ وَقَالُوا: مَنَّ خَيْرَهُ يمُنُّهُ مَنّاً فعَدَّوْه؛ قَالَ:

كأَني، إِذْ مَنَنْتُ عَلَيْكَ خَيري، ... مَنَنْتُ عَلَى مُقَطَّعَةِ النِّياطِ

ومَنَّ يَمُنُّ مَنّاً: اعْتَقَدَ عَلَيْهِ مَنّاً وحسَبَهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ

؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: غَيْرُ مَحْسُوبٍ، وَقِيلَ: معناهُ أَي لَا يَمُنُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ «١» بِهِ فَاخِرًا أَو مُعَظِّماً كَمَا يَفْعَلُ بخلاءُ المُنْعِمِين، وَقِيلَ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ مِنْ قَوْلِهِمْ حَبْلٌ مَنِين إِذا انْقَطَعَ وخَلَقَ، وَقِيلَ: أَي لَا يُمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ. الْجَوْهَرِيُّ: والمَنُّ الْقَطْعُ، وَيُقَالُ النَّقْصُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

غُبْساً كَوَاسبَ لَا يُمَنُّ طَعامُها

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الشِّعْرُ فِي نُسْخَةِ ابْنِ الْقَطَّاعِ مِنَ الصِّحَاحِ:

حَتَّى إِذا يَئِسَ الرُّماةُ، وأَرْسَلوا ... غُبْساً كَواسِبَ لَا يُمَنُّ طعامُها

قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ، وإِنما هُوَ فِي نُسْخَةِ الْجَوْهَرِيِّ عَجُزُ الْبَيْتِ لَا غَيْرَ، قَالَ: وَكَمَّلَهُ ابْنُ الْقَطَّاعِ بِصَدْرِ بَيْتٍ لَيْسَ هَذَا عجُزَه، وإِنما عجُزُهُ:

حَتَّى إِذا يَئسَ الرُّماةُ، وأَرسلوا ... غُضُفاً دَوَاجِنَ قَافِلًا أَعْصامُها

قَالَ: وأَما صَدْرُ الْبَيْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَهُوَ قَوْلُهُ:

لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تنازَعَ شِلْوَه ... غُبْسٌ كوَاسِبُ لَا يُمَنُّ طعامُها

قَالَ: وَهَكَذَا هُوَ فِي شِعْرِ لَبِيدٍ، وإِنما غلط الجوهري


(١). قوله [أَيْ لَا يَمُنُّ اللَّهُ عليهم إلخ] المناسب فيه وفيما بعده عليك بكاف الخطاب، وكأنه انتقال نظر من تفسير آية: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً، إلى تفسير آية: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ*، هذه العبارة من التهذيب أو المحكم فإن هذه المادة ساقطة من نسختيهما اللتين بأيدينا للمراجعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>