فِي نَصْبِ قَوْلِهِ غُبْساً، وَاللَّهُ أَعلم. والمِنِّينَى: مِنَ المَنِّ الَّذِي هُوَ اعْتِقَادُ المَنِّ عَلَى الرَّجُلِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: المِنِّينى مِنَ المَنِّ والامْتنانِ. وَرَجُلٌ مَنُونَةٌ ومَنُونٌ: كَثِيرُ الِامْتِنَانِ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا*
؛ يَحْتَمِلُ المَنُّ تأْويلين: أَحدهما إِحسانُ المُحْسِن غيرَ مُعْتَدٍّ بالإِحسان، يُقَالُ لَحِقَتْ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ مِنَّةٌ إِذا لَحِقَتْه نعمةٌ بِاسْتِنْقَاذٍ مِنْ قَتْلٍ أَو مَا أَشبهه، وَالثَّانِي مَنَّ فلانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذا عَظَّمَ الإِحسان وفخَرَ بِهِ وأَبدأَ فِيهِ وأَعاد حَتَّى يُفْسده ويُبَغِّضه، فالأَول حَسَنٌ، وَالثَّانِي قَبِيحٌ. وَفِي أَسماء اللَّهِ تَعَالَى: الحَنّانُ المَنّانُ أَي الَّذِي يُنْعِمُ غيرَ فاخِرٍ بالإِنعام؛ وأَنشد:
إِن الَّذِينَ يَسُوغُ فِي أَحْلاقِهِمْ ... زادٌ يُمَنُّ عليهمُ لَلِئامُ
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي شَرْحِ المَنَّانِ، قَالَ: مَعْنَاهُ المُعْطِي ابْتِدَاءً، وَلِلَّهِ المِنَّة عَلَى عِبَادِهِ، وَلَا مِنَّة لأَحد مِنْهُمْ عَلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَقَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الْمُنْعِمُ المُعْطي مِنَ المَنِّ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى الإِحسان إِلى مَنْ لَا يَسْتَثِيبُهُ وَلَا يَطْلُبُ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ. والمَنّانُ: مِنْ أَبنية الْمُبَالَغَةِ كالسَّفَّاكِ والوَهّابِ، والمِنِّينى مِنْهُ كالخِصِّيصَى؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للقُطاميّ:
وَمَا دَهْري بمِنِّينَى، ولكنْ ... جَزَتْكم، يَا بَني جُشَمَ، الجَوَازي
ومَنَّ عَلَيْهِ مِنَّةً أَي امْتَنَّ عَلَيْهِ. يُقَالُ: المِنَّةُ تَهْدِمُ الصَّنيعة. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَحدٌ أَمَنَّ عَلَيْنَا مِنِ ابْنِ أَبي قُحافَةَ
أَي مَا أَحدٌ أَجْوَدَ بِمَالِهِ وَذَاتِ يَدِهِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى
؛ المَنُّ هَاهُنَا: أَن تَمُنَّ بِمَا أَعطيت وَتَعْتَدَّ بِهِ كأَنك إِنما تَقْصِدُ بِهِ الِاعْتِدَادَ، والأَذى: أَن تُوَبِّخَ المعطَى، فأَعلم اللَّهُ أَن المَنَّ والأَذى يُبْطِلان الصَّدَقَةَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ
؛ أَي لَا تُعْطِ شَيْئًا مقدَّراً لتأْخذ بَدَلَهُ مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
ثَلَاثَةٌ يشْنَؤُهُمُ اللَّهُ، مِنْهُمُ الْبَخِيلُ المَنّانُ.
وَقَدْ يَقَعُ المَنَّانُ عَلَى الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّه واعتَدّ بِهِ عَلَى مَنْ أَعطاه، وَهُوَ مَذْمُومٌ، لأَن المِنَّة تُفْسِد الصنيعةَ. والمَنُون مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تُزَوَّجُ لِمَالِهَا فَهِيَ أَبداً تَمُنُّ عَلَى زَوْجِهَا. والمَنَّانةُ: كالمَنُونِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ: لَا تتزَوَّجَنَّ حَنَّانةً وَلَا مَنَّانةً. الْجَوْهَرِيُّ: المَنُّ كالطَّرَنْجَبينِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ.
ابْنُ سِيدَهْ: المَنُّ طَلٌّ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ شِبْهُ الْعَسَلِ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى بَنِي إِسرائيل. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى
؛ قَالَ اللَّيْثُ: المَنُّ كَانَ يَسْقُطُ عَلَى بَنِي إِسرائيل مِنَ السَّمَاءِ إِذْ هُمْ فِي التِّيه، وَكَانَ كَالْعَسَلِ الحامِسِ حَلَاوَةً. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: جُمْلَةُ المَنِّ فِي اللُّغَةِ مَا يَمُنُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِمَّا لَا تَعَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ، قَالَ: وأَهل التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ إِن المَنَّ شَيْءٌ كَانَ يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ حُلْوٌ يُشرب، وَيُقَالُ: إِنه التَّرَنْجَبينُ، وَقِيلَ فِي
قَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الكَمْأَةُ مِنَ المَنِ
: إِنما شَبَّهَهَا بالمَنِّ الَّذِي كَانَ يَسْقُطُ عَلَى بَنِي إِسرائيل، لأَنه كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ عَفْوًا بِلَا عِلَاجٍ، إِنما يُصْبِحُونَ وَهُوَ بأَفْنِيَتهم فَيَتَنَاوَلُونَهُ، وَكَذَلِكَ الكَمْأَة لَا مؤُونة فِيهَا ببَذْرٍ وَلَا سَقْيٍ، وَقِيلَ: أَي هِيَ مِمَّا منَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: فالمَنُّ الَّذِي يَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، والمَنُّ الِاعْتِدَادُ، والمَنُّ الْعَطَاءُ، والمَنُّ الْقَطْعُ، والمِنَّةُ الْعَطِيَّةُ، والمِنَّةُ الاعتدادُ، والمَنُّ لُغَةٌ فِي المَنَا الَّذِي