للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمَّا أَجراه فِي الْوَصْلِ عَلَى حَدِّهِ فِي الْوَقْفِ فأَثبت الْوَاوَ وَالنُّونَ الْتَقَيَا سَاكِنَيْنِ، فَاضْطَرَّ حِينَئِذٍ إِلى أَن حَرَّكَ النُّونَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لإِقامة الْوَزْنِ، فَهَذِهِ الْحَرَكَةُ إِذاً إِنما هِيَ حَرَكَةٌ مُسْتَحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي الْوَقْفِ، وإِنما اضْطُرَّ إِليها لِلْوَصْلِ؛ قَالَ: فأَما مَنْ رَوَاهُ مَنُونَ أَنتم فأَمره مُشْكَلٌ، وَذَلِكَ أَنه شبَّه مَنْ بأَيٍّ فَقَالَ مَنُونَ أَنتم عَلَى قَوْلِهِ أَيُّونَ أَنتم، وَكَمَا جُعِلَ أَحدهما عَنِ الْآخَرِ هُنَا كَذَلِكَ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي أَن جُرِّدَ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا، أَلا تَرَى أَن حِكَايَةَ يُونُسَ عَنْهُمْ ضَرَبَ مَنٌ مَناً كَقَوْلِكَ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا؟ فَنَظِيرُ هَذَا فِي التَّجْرِيدِ لَهُ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ ما أَنشدناه من قول الْآخَرِ:

وأَسْماءُ، مَا أَسْماءُ لَيْلةَ أَدْلَجَتْ ... إِليَّ، وأَصحابي بأَيَّ وأَيْنَما

فَجَعَلَ أَيّاً اسْمًا لِلْجِهَةِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِيهَا التَّعْرِيفُ والتأْنيث منَعَها الصَّرْفَ، وإِن شِئْتَ قُلْتَ كَانَ تَقْدِيرُهُ مَنُون كَالْقَوْلِ الأَول، ثُمَّ قَالَ أَنتم أَي أَنتم الْمَقْصُودُونَ بِهَذَا الِاسْتِثْبَاتِ، كَقَوْلِ عَدِيٍّ:

أَرَوَاحٌ مَوَدّعٌ أَم بُكورُ ... أَنتَ، فانْظُرْ لأَيِّ حالٍ تصيرُ

إِذا أَردت أَنتَ الهالكُ، وَكَذَلِكَ أَراد لأَي ذيْنِك. وَقَوْلُهُمْ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ رأَيت زَيْدًا المَنِّيُّ يَا هَذَا، فالمَنِّيُّ صِفَةٌ غَيْرُ مُفِيدَةٍ، وإِنما مَعْنَاهُ الإِضافة إِلى مَنْ، لَا يُخَصُّ بِذَلِكَ قبيلةٌ مَعْرُوفَةٌ كَمَا أَن مَن لَا يَخُصُّ عَيْنًا، وَكَذَلِكَ تَقُولُ المَنِّيّانِ والمَنِّيُّون والمَنِّيَّة والمَنِّيَّتان والمَنِّيَّات، فإِذا وَصَلْتَ أَفردت عَلَى مَا بَيَّنَهُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَتَكُونُ لِلِاسْتِفْهَامِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّب نَحْوَ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ هُوَ وَمَا هُوَ؛ وأَما قَوْلُهُ:

جادَتْ بكَفَّيْ كَانَ مِنْ أَرْمى البَشَرْ

فَقَدْ رُوِيَ مَنْ أَرمى البَشر، بِفَتْحِ مِيمِ مَنْ، أَي بكفَّيْ مَنْ هُوَ أَرْمى البشرِ، وَكَانَ عَلَى هَذَا زَائِدَةً، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمَا جَازَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لفُرُوده وَشُذُوذِهِ عَمَّا عَلَيْهِ عَقْدُ هَذَا الْمَوْضِعِ، أَلا تَرَاكَ لَا تَقُولُ مَرَرْتُ بوَجْهُه حسنٌ وَلَا نَظَرْتُ إِلى غلامُهُ سعيدٌ؟ قَالَ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ جِنِّي، وَرِوَايَتُنَا كَانَ مِنْ أَرْمى الْبَشَرْ أَي بكفَّيْ رجلٍ كَانَ. الْفَرَّاءُ: تَكُونُ مِنْ ابتداءَ غَايَةٍ، وَتَكُونُ بَعْضًا، وَتَكُونُ صِلةً؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ

؛ أَي مَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ؛ وَلِدَايَةِ الأَحنف فِيهِ:

وَاللَّهِ لَوْلَا حَنَفٌ برجْلِهِ، ... مَا كَانَ فِي فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِهِ

قَالَ: مِنْ صِلةٌ هَاهُنَا، قَالَ: وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ مِنْ على جمع المَحالّ إِلا عَلَى اللَّامِ وَالْبَاءِ، وَتُدْخِلُ مِنْ عَلَى عَنْ وَلَا تُدْخِلُ عَنْ عَلَيْهَا، لأَن عَنِ اسْمٌ وَمِنْ مِنَ الْحُرُوفِ؛ قَالَ الْقَطَامِيُّ:

مِنْ عَنْ يَمِينِ الحُبَيّا نَظْرةٌ قَبَلُ

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَالْعَرَبُ تضَعُ مِن مَوْضِعَ مُذْ، يُقَالُ: مَا رأَيته مِنْ سنةٍ أَي مُذْ سنةٍ؛ قَالَ زُهَيْرٍ:

لِمَنِ الدِّيارُ، بقُنَّةِ الحِجْرِ، ... أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ دَهْرِ؟

أَي مُذْ حِجَجٍ. الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ مَا رأَيته مِنْ سنةٍ أَي منذُ سَنَةٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ

؛ قَالَ: وَتَكُونُ مِنْ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ

؛ أَي عَلَى الْقَوْمِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ نَصَرْتُهُ مِنْ فُلَانٍ أَي مَنَعْتُهُ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>