هَذَا الِاسْمِ فِي مُضَارَعَتِهِ الْحَرْفَ أَنهم قَدْ تَلَاعَبُوا بِهِ وأَضعفوه، فَقَالُوا مَرَّةً: مُ الله، ومرة: مَ الله، ومرة: مِ الله، فلما حذفوا هذا الحذف الْمُفْرِطَ وأَصاروه مِنْ كَوْنِهِ عَلَى حَرْفٍ إِلَى لَفْظِ الْحُرُوفِ، قَوِيَ شِبْهُ الْحَرْفِ عَلَيْهِ فَفَتَحُوا هَمْزَتَهُ تَشْبِيهًا بِهَمْزَةِ لَامِ التَّعْرِيفِ، وَمِمَّا يُجِيزُهُ الْقِيَاسُ، غَيْرَ أَنه لَمْ يَرِدْ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ، ذَكَرَ خَبَرَ لَيْمُن مِنْ قَوْلِهِمْ لَيْمُن اللَّهِ لأَنطلقن، فَهَذَا مبتدأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، وأَصله لَوْ خُرِّج خَبَرُهُ لَيْمُنُ اللَّهِ مَا أُقسم بِهِ لأَنطلقن، فَحَذَفَ الْخَبَرَ وَصَارَ طُولُ الْكَلَامِ بِجَوَابِ الْقَسَمِ عِوَضًا مِنَ الْخَبَرِ. واسْتَيْمَنْتُ الرجلَ: اسْتَحْلَفْتَهُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: لَيْمُنُكَ
إِنَّمَا هِيَ يَمينٌ، وَهِيَ كَقَوْلِهِمْ يَمِينُ اللَّهِ كَانُوا يَحْلِفُونَ بِهَا. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كَانُوا يَحْلِفُونَ بِالْيَمِينِ، يَقُولُونَ يَمِينُ اللَّهِ لَا أَفعل؛ وأَنشد لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
فقلتُ: يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قاعِداً، ... وَلَوْ قَطَعُوا رأْسي لَدَيْكِ وأَوْصالي
أَراد: لَا أَبرح، فَحَذَفَ لَا وَهُوَ يُرِيدُهُ؛ ثُمَّ تُجْمَعُ اليمينُ أَيْمُناً كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ:
فتُجْمَعُ أَيْمُنٌ مِنَّا ومِنْكُمْ ... بمُقْسَمةٍ، تَمُورُ بِهَا الدِّماءُ
ثُمَّ يَحْلِفُونَ بأيْمُنِ اللَّهِ، فَيَقُولُونَ وأَيْمُنُ اللهِ لأَفْعَلَنَّ كَذَا، وأَيْمُن اللَّهِ لَا أَفعلُ كَذَا، وأَيْمُنُك يَا رَبِّ، إِذَا خَاطَبَ ربَّه، فَعَلَى هَذَا قَالَ عُرْوَةُ لَيْمُنُكَ، قَالَ: هَذَا هُوَ الأَصل فِي أَيْمُن اللَّهِ، ثُمَّ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ وخفَّ عَلَى أَلسنتهم حَتَّى حَذَفُوا النُّونَ كَمَا حَذَفُوا مِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَالُوا: لَمْ يَكُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا أَيْمُ اللهِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ كَيْسَانَ وَابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ فَقَالَا: أَلف أَيْمُنٍ أَلفُ قَطْعٍ، وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ، وَإِنَّمَا خُفِّفَتْ هَمْزَتُهَا وَطُرِحَتْ فِي الْوَصْلِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لَهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَقَدْ أَحسن أَبو عُبَيْدٍ فِي كُلِّ مَا قَالَ فِي هَذَا الْقَوْلِ، إِلَّا أَنه لَمْ يُفَسِّرْ قَوْلَهُ أَيْمُنك لمَ ضمَّت النُّونُ، قَالَ: وَالْعِلَّةُ فِيهَا كَالْعِلَّةِ فِي قَوْلِهِمْ لَعَمْرُك كأَنه أُضْمِرَ فِيهَا يَمِينٌ ثانٍ، فَقِيلَ وأَيْمُنك، فلأَيْمُنك عَظِيمَةٌ، وَكَذَلِكَ لَعَمْرُك فلَعَمْرُك عَظِيمٌ؛ قَالَ: قَالَ ذَلِكَ الأَحمر وَالْفَرَّاءُ. وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ؛ كأَنه قَالَ واللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعَرَبُ تَقُولُ أَيْمُ اللَّهِ وهَيْمُ اللَّهِ، الأَصل أَيْمُنُ اللَّهِ، وَقَلَبَتِ الْهَمْزَةَ هَاءً فَقِيلَ هَيْمُ اللهِ، وَرُبَّمَا اكْتَفَوْا بِالْمِيمِ وَحَذَفُوا سَائِرَ الْحُرُوفِ فَقَالُوا مُ اللَّهِ لِيَفْعَلَنَّ كَذَا، وَهِيَ لُغَاتٌ كُلُّهَا، والأَصل يَمِينُ اللَّهِ وأَيْمُن اللَّهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: سُمِّيَتِ الْيَمِينُ بِذَلِكَ لأَنهم كَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا ضَرَبَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَمينَه عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ جعلتَ الْيَمِينَ ظَرْفًا لَمْ تَجْمَعْهُ، لأَن الظُّرُوفَ لَا تَكَادُ تُجْمَعُ لأَنها جِهَاتٌ وأَقطار مُخْتَلِفَةُ الأَلفاظ، أَلا تَرَى أَن قُدَّام مُخالفٌ لخَلْفَ واليَمِين مُخَالِفٌ للشِّمال؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ للحَلِفِ يمينٌ بَاسِمِ يَمِينِ الْيَدِ، وَكَانُوا يَبْسُطُونَ أَيمانهم إِذَا حَلَفُوا وَتَحَالَفُوا وَتَعَاقَدُوا وَتَبَايَعُوا، وَلِذَلِكَ
قَالَ عُمَرُ لأَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ابْسُطْ يَدَك أُبايِعْك.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِنْ صَحَّ أَن يَمِينًا مِنْ أَسماء اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَهُوَ الحَلِفُ بِاللَّهِ؛ قَالَ: غَيْرَ أَني لَمْ أَسمع يَمِينًا مِنْ أَسماء اللَّهِ إِلَّا مَا رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، وَاللَّهُ أَعلم. واليُمْنةَ واليَمْنَةُ: ضربٌ مِنْ بُرود الْيَمَنِ؛ قَالَ: واليُمْنَةَ المُعَصَّبا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كُفِّنَ فِي يُمْنة
؛ هِيَ، بِضَمِّ الْيَاءِ، ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي فُرْدُودة يَرْثِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute