للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْفَارِسِيُّ: هَذَا مِنْ مَعْكُوسِ التَّشْبِيهِ، إِنما يُقَالُ فِي الناقةِ جُماليَّة تَشْبِيهًا لَهَا بِالْجُمَلِ لِشِدَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ وَفَضْلِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاقَةِ، وَلَكِنَّهُمْ رُبَّمَا عَكَسُوا فَجَعَلُوا الْمُشَبَّهَ بِهِ مُشَبَّهًا وَالْمُشَبَّهَ مُشَبَّهًا بِهِ، وَذَلِكَ لِما يُرِيدُونَ مِنَ اسْتِحْكَامِ الأَمر فِي الشَّبَه، فَهُمْ يَقُولُونَ للناقةِ جُمالِيَّةٌ، ثُمَّ يُشْعِرُونَ بِاسْتِحْكَامِ الشَّبَهِ فَيَقُولُونَ لِلذَّكَرِ جُمالِيٌّ، يَنْسِبُونَهُ إِلى النَّاقَةِ الجُماليَّة، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَكَلَامِ سِيبَوَيْهِ؛ أَما كَلَامُ الْعَرَبِ فَكَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:

ورَمْلٍ كأَوْراكِ النساءِ اعْتَسَفْتُه، ... إِذا لَبَّدَتْهُ السارياتُ الرَّكائِكُ

فَشَبَّهَ الرَّمْلَ بأَوراك النِّسَاءِ وَالْمُعْتَادُ عَكْسُ ذَلِكَ، وأَما مِنْ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ فَكَقَوْلِهِ فِي بَابِ اسْمِ الْفَاعِلِ: وَقَالُوا هُوَ الضاربُ الرجلَ كَمَا قَالُوا الحَسَنُ الوَجْهَ، قَالَ: ثُمَّ دَارَ فَقَالَ وَقَالُوا هُوَ الحَسَنُ الوَجْهَ كَمَا قَالُوا الضاربُ الرجلَ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: ناقةٌ عَضِهَةٌ تَكسِرُ عِيدانَ العِضاهِ، وَقَدْ عَضِهَتْ عَضَهاً. وأَرضٌ عَضيهَةٌ: كَثِيرَةُ العِضاهِ، ومُعْضِهَةٌ: ذاتُ عِضاهٍ كمُعِضَّةٍ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي مَوْضِعِهَا: الْجَوْهَرِيُّ: وَتَقُولُ بِعِيرٌ عَضَوِيٌّ وإِبل عَضَوِيَّةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وعَضَهْتُ العِضاهَ إِذا قَطَعْتَهَا. وَرَوَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ: لَا يُقَالُ بَعِيرٌ عاضِهٌ لِلَّذِي يَرْعَى العِضاهَ، وإِنما يُقَالُ لَهُ عَضهٌ، وأَما العاضِهُ فَهُوَ الَّذِي يَشْتَكي عَنْ أَكل العِضاهِ. والتَّعْضِيهُ: قَطْعُ العِضاهِ واحْتِطابُه. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَا عُضِهَتْ عِضاهٌ إِلا بِتَرْكِهَا التَّسْبِيحَ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَنْتَجِبُ غَيْرَ عِضاهِه إِذا انْتَحَلَ شِعْرَ غيرِه؛ وَقَالَ:

يَا أيُّها الزاعِمُ أَني أَجْتَلِبْ ... وأَنَّني غَيْرَ عِضاهِي أَنْتَجِبْ

كَذبْتَ إِنَّ شَرَ مَا قيلَ الكَذِبْ

وَكَذَلِكَ: فُلَانٌ يَنْتَجِبُ عِضاهَ فلانٍ أَي أَنه يَنْتحِل شِعْرَه، والانْتِجابُ أَخْذُ النَّجَبِ مِنَ الشَّجَرِ، وَهُوَ قِشْرُهُ؛ وَمِنْ أَمثالهم السَّائِرَةِ:

وَمِنْ عِضَةٍ مَا يَنْبُتَنَّ شَكيرُها

وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: العَصا مِنَ العُصَيَّةِ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا ماتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ سُرِقَ ابْنُه، ... وَمِنْ عِضَةٍ مَا يَنْبُتَنَّ شَكيرُها

يُرِيدُ: أَن الِابْنَ يُشْبِهُ الأَبَ، فَمَنْ رأَى هَذَا ظَنَّهُ هَذَا، فكأَنّ الابنَ مَسْرُوقٌ، والشكيرُ: مَا يَنْبُتُ فِي أَصْلِ الشجرة:

عفه: رَوَى بَعْضُهُمْ بَيْتَ الشَّنفَرَى:

عُفاهِيَةٌ لَا يُقْصَرُ السِّتْرُ دُونَها، ... وَلَا تُرْتَجَى للبيتِ مَا لَمْ تُبَيّتِ

قِيلَ: العُفاهِيَةُ الضَّخْمَةُ، وَقِيلَ: هِيَ مِثْلُ العُفاهِمَة. يُقَالُ: عَيْش عُفاهِمٌ أَي نَاعِمٌ، وَهَذِهِ انْفَرَدَ بِهَا الأَزهري، وَقَالَ: أَما العُفاهِيَة فَلَا أَعرفها، وأَما العُفاهِمة فَمَعْرُوفَةٌ.

عله: العَلَهُ: خُبْثُ النَّفْس وضَعْفُها، وَهُوَ أَيضاً أَذَى الخُمارِ «٢». والعَلَهُ الشَّرَهُ. والعَلَهُ: الدَّهَشُ والحَيْرة. والعَلِهُ: الَّذِي يتَرَدَّدُ مُتَحَيِّرًا، والمُتَبَلِّدُ مِثْلُهُ؛ أَنشد لَبِيدٌ:

عَلِهَتْ تَبَلَّدُ فِي نِهاء صُعائِدٍ، ... سَبْعاً تُؤاماً كامِلًا أَيَّامُها

وَفِي الصِّحَاحِ: عَلِهَتْ تَرَدَّدُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:


(٢). قَوْلُهُ [وَهُوَ أَيْضًا أَذَى الْخُمَارِ] كذا بالأصل والتهذيب والمحكم، والذي في التكملة بخط الصاغاني: أدنى الخمار، بدال مهملة فنون، وتبعه المجد

<<  <  ج: ص:  >  >>