كَقَوْلِهِمْ غاقٍ وطاقٍ، وَمَنْ قَالَ هَيْهاتُ لَكَ بِالرَّفْعِ ذَهَبَ بِهَا إِلَى الْوَصْفِ فَقَالَ هِيَ أَداة والأَدَواتُ معرفةٌ، وَمَنْ رَفَعَهَا ونَوَّنَ شَبَّهَ التَّاءَ بِتَاءِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ مِنْ عَرَفاتٍ، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَيْهات فِي اللُّغَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا كُلِّهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيهان، بِالنُّونِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَيْهانَ منكَ الحياةُ أَيْهانا
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيْها، بِلَا نونٍ، وَمَنْ قَالَ أَيْها حَذَفَ التَّاءَ كَمَا حُذِفَتِ الْيَاءُ مَنْ حاشَى فَقَالُوا حاشَ؛ وأَنشد:
وَمِنْ دُونيَ الأَعراضُ والقِنْعُ كلُّه، ... وكُتْمانُ أَيْهَا مَا أَشَتَّ وأَبْعَدَا
وَهِيَ فِي هَذِهِ اللُّغَاتِ كُلِّهَا مَعْنَاهَا البُعْدُ، وَالْمُسْتَعْمَلُ مِنْهَا اسْتِعْمَالًا عَالِيًا الْفَتْحُ بِلَا تَنْوِينٍ. الْفَرَّاءُ: نَصْبُ هَيْهَاتَ بِمَنْزِلَةِ نَصْبِ رُبَّتَ وثُمَّتَ، والأَصل رُبَّهْ وثُمَّهْ؛ وأَنشد:
ماوِيَّ، يَا رُبَّتَما غارةٍ ... شَعْواءَ، كاللَّذْعَةِ بالمِيسمِ
قَالَ: وَمَنْ كَسَرَ التَّاءَ لَمْ يَجْعَلْهَا هَاءَ تأْنيث، وَجَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ دَراكِ وقَطامِ. أَبو حَيَّانٍ: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ
، فأَلحق الْهَاءَ الْفَتْحَةَ؛ قَالَ:
هَيْهاتَ مِنْ عَبْلَةَ مَا هَيْهاتا، ... هَيْهاتَ إِلَّا ظَعَناً قَدْ فَاتَا
قَالَ ابْنُ جِنِّي كَانَ أَبو عَلِيٍّ يَقُولُ فِي هَيْهاتَ أَنا أُفْتي مَرَّةً بِكَوْنِهَا اسْمًا سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ كصَهْ ومَهْ، وأُفْتِي مَرَّةً بِكَوْنِهَا ظَرْفًا عَلَى قَدْرِ مَا يَحْضُرُني فِي الْحَالِ، قَالَ: وَقَالَ مَرَّةً أُخرى إِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ظَرْفًا فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَن تَكُونَ مَعَ ذَلِكَ اسْمًا سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ كعِنْدَكَ ودونَك. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي مَرَّةً: هَيْهاتٍ وهيهاتِ، مَصْرُوفَةٌ وَغَيْرُ مَصْرُوفَةٍ، جَمْعُ هَيْهة، قَالَ: وهَيْهات عِنْدَنَا رُبَاعِيَّةٌ مُكَرَّرَةٌ، فاؤُها ولامُها الأُولى هَاءٌ، وَعَيْنُهَا وَلَامُهَا الثَّانِيَةُ يَاءٌ، فَهِيَ لِذَلِكَ مِنْ بَابِ صِيصِيَةٍ، وعَكسُها يَلْيَلُ ويَهْياهٌ، مَنْ ضَعَّفَ الْيَاءَ بِمَنْزِلَةِ المَرْمَرَة والقَرْقَرَة. ابْنُ سِيدَهْ: أَيْهاتَ لُغَةٌ فِي هَيْهاتَ، كأَنّ الْهَمْزَةُ بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ؛ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَهل اللُّغَةِ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن إِحْدَاهُمَا لَيْسَتْ بَدَلًا مِنَ الأُخرى إِنَّمَا هُمَا لُغَتَانِ. قَالَ الأَخفش: يَجُوزُ فِي هَيْهاتَ أَن يَكُونَ جَمَاعَةً، فَتَكُونُ التَّاءُ الَّتِي فِيهَا تَاءَ الْجَمْعِ الَّتِي للتأْنيث، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي اللَّاتِ والعُزَّى لأَن لاتَ وكيْتَ لَا يَكُونُ مثلُهما جَماعةً، لأَن التَّاءَ لَا تُزَادُ فِي الْجَمَاعَةِ إِلَّا مَعَ الأَلف، وَإِنْ جَعَلْتَ الأَلف وَالتَّاءَ زَائِدَتَيْنِ بَقِيَ الِاسْمُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٌ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ: يَجُوزُ فِي هَيْهاتَ أَن يَكُونَ جَمَاعَةً وَتَكُونُ التاءُ الَّتِي فِيهَا تاءَ الْجَمْعِ، قَالَ: صَوَابُهُ يَجُوزُ فِي هَيْهَاتَ بِكَسْرِ التَّاءِ، وَقَدْ يُنَوَّنُ فَيُقَالُ هَيْهاتٍ وهَيْهاتاً؛ قَالَ الأَحْوَصُ:
تَذكَّرُ أَيَّاماً مَضَيْنَ مِنَ الصِّبَا، ... وهَيْهاتِ هَيْهاتاً إليكَ رُجُوعُها
وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:
هَيْهاتَ من مُنْخرقٍ هَيْهاؤُه
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَنشده ابْنُ جِنِّيٍّ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ، قَالَ: وَلَا أَدري مَا مَعْنَى هَيْهاؤُه. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهَا الْبُعْدُ وَالشَّيْءُ الَّذِي لَا يُرْجَى. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ هَيْهاؤُه يَدُلُّ عَلَى أَن هَيْهاتَ مِنْ مُضَاعَفِ الأَربعة، وهَيْهاؤه فَاعِلٌ بهَيْهات، كأَنه قَالَ بَعُدَ بُعْدُه، وَمِنْ مُتَعَلِّقَةٍ بِهَيْهَاتِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ أَبو عَلِيٍّ فِي أَول الْجُزْءِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ التَّذْكَرة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: