الْمَصْدَرِ، كفَعَّل فِي الفِعْل عَلَى غَالِبِ الأَمر. قَالَ سِيبَوَيْهِ: هَذَا بَابُ مَا تُكَثِّر فِيهِ المصدرَ مِنْ فَعَلْتُ، فتُلْحِقُ الزَّوَائِدَ، وتَبْنيه بِنَاءً آخَر، كَمَا أَنك قلتَ فِي فَعَلْتُ: فَعَّلْتُ، حِينَ كَثَّرْتَ الفعلَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَصَادِرِ الَّتِي جاءَت عَلَى التَّفْعال كالتَّلْعاب وَغَيْرِهِ؛ قَالَ: وَلَيْسَ شيءٌ مِنَ ذَلِكَ مَصْدَرُ فَعَلْتُ، وَلَكِنْ لَمَّا أَردت التَّكْثِيرَ، بَنَيْتَ الْمَصْدَرَ عَلَى هَذَا، كَمَا بَنَيْتَ فَعَلْتُ عَلَى فَعَّلْتُ. وَرَجُلٌ لاعِبٌ ولَعِبٌ ولِعِبٌ، عَلَى مَا يَطَّرِد فِي هَذَا النَّحْوِ، وتِلْعابٌ وتِلْعابة، وتِلِعَّابٌ وتِلِعَّابة، وَهُوَ مِنَ المُثُل الَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا سِيبَوَيْهِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما تِلِعَّابة، فإِن سِيبَوَيْهِ، وإِن لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الصفاتِ، فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمَصَادِرِ، نَحْوَ تَحَمَّلَ تِحِمَّالًا، وَلَوْ أَرَدْتَ المرَّةَ الواحدةَ مِنْ هَذَا لوَجَبَ أَن تَكُونَ تِحِمَّالةً، فإِذا ذَكَر تِفِعَّالًا فكأَنه قَدْ ذَكَّرَهُ بالهاءِ، وَذَلِكَ لأَن الهاءَ فِي تَقْدِيرِ الِانْفِصَالِ عَلَى غَالِبِ الأَمر، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تِلِقَّامةٍ، وسيأْتي ذِكْرُهُ. وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَن يَدَّعيَ أَن تِلِعَّابة وتِلِقَّامةً فِي الأَصل المرَّة الْوَاحِدَةُ، ثُمَّ وُصِفَ بِهِ كَمَا قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْمَصْدَرِ، نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً؛ أَي غائِراً، وَنَحْوِ قَوْلِهِ: فإِنما هِيَ إِقْبالٌ وإِدْبارُ؛ مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَنْ وَصَفَ بِالْمَصْدَرِ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ زَوْرٌ وصَوْمٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فإِنما صَارَ ذَلِكَ لَهُ، لأَنه أَراد الْمُبَالَغَةَ، وَيَجْعَلُهُ هُوَ نَفْسَ الحدَث، لِكَثْرَةِ ذَلِكَ مِنْهُ، والمرَّة الْوَاحِدَةُ هِيَ أَقل الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَلَا يَجُوزُ أَن يُرِيدَ مَعْنَى غايةِ الكَثْرة، فيأْتي لِذَلِكَ بلفظِ غايةِ القِلَّةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُجِيزوا: زَيْدٌ إِقْبالةٌ وإِدبارة، عَلَى زيدٌ إِقْبالٌ وإِدْبارٌ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ قَوْلُهُمْ: رَجُلٌ تِلِعَّابة وتِلِقَّامة، عَلَى حَدِّ قَوْلِكَ: هَذَا رجلٌ صَومٌ، لَكِنَّ الهاءَ فِيهِ كالهاءِ فِي عَلَّامة ونَسَّابة لِلْمُبَالَغَةِ؛ وقولُ النَّابِغَةِ الجَعْدِيّ:
تَجَنَّبْتُها، إِني امْرُؤٌ فِي شَبِيبَتي ... وتِلْعابَتي، عَنْ رِيبةِ الجارِ، أَجْنَبُ
فإِنه وَضَعَ الاسمَ الَّذِي جَرى صِفَةً مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَكَذَلِكَ أُلْعُبانٌ، مَثَّل بِهِ سِيبَوَيْهِ، وَفَسَّرَهُ السِّيرَافِيُّ. وَقَالَ الأَزهري: رَجُلٌ تِلْعابة إِذا كَانَ يَتَلَعَّبُ، وَكَانَ كثيرَ اللَّعِبِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زَعَمَ ابنُ النَّابِغَةَ أَني تِلْعابةٌ
؛ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
أَنَّ عَليّاً كَانَ تِلْعابةً
أَي كثيرَ المَزْحِ والمُداعَبة، والتاءُ زَائِدَةٌ. وَرَجُلٌ لُعَبةٌ: كَثِيرُ اللَّعِب. ولاعَبه مُلاعبةً ولِعاباً: لَعِبَ مَعَهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
جَابِرٍ: مَا لكَ وللعَذارى ولِعابَها؟
اللِّعابُ، بِالْكَسْرِ: مثلُ اللَّعِبِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَأْخُذَنَّ أَحدُكم مَتاعَ أَخيه لاعِباً جَادًّا
؛ أَي يأْخذه وَلَا يُرِيدُ سَرِقَتَهُ وَلَكِنْ يُرِيدُ إِدخال الْهَمِّ وَالْغَيْظِ عَلَيْهِ، فَهُوَ لاعبٌ فِي السَّرِقَةِ، جادٌّ فِي الأَذِيَّة. وأَلْعَبَ المرأَةَ: جَعَلَها تَلْعَبُ. وأَلْعَبها: جاءَها بِمَا تَلْعَبُ بِهِ؛ وقولُ عَبِيد بْنِ الأَبْرَص:
قَدْ بِتُّ أُلْعِبُها وَهْناً وتُلْعِبُني، ... ثُمَّ انْصَرَفْتُ وَهِيَ منِّي عَلَى بالِ
يُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. وجاريةٌ لَعُوبٌ: حَسَنةُ الدَّلِّ، والجمعُ لَعائبُ. قَالَ الأَزهري: ولَعُوبُ اسمُ امرأَة، سُمِّيَتْ لَعُوبَ لِكَثْرَةِ لَعِبها، وَيَجُوزُ أَن تُسَمَّى لَعُوبَ، لأَنه يُلْعَبُ بِهَا. والمِلْعَبَة: ثوبٌ لَا كُمَّ لَهُ «٣»، يَلْعَبُ فِيهِ الصبيُّ.
(٣). قوله [والملعبة ثوب إلخ] كذا ضبط بالأَصل والمحكم، بكسر الميم، وضبطها المجد كمحسنة، وقال شارحه وفي نسخة بالكسر.