للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللهُ صَدَاهُ. والصَّدَى: موضِعُ السَّمْعِ مِنَ الرَّأْسِ. والصَّدَى: طائِرٌ يَصِيحُ فِي هامَةِ المَقْتُولِ إِذَا لَمْ يُثْأَرْ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ طائِرٌ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ إِذَا بَلِيَ، ويُدْعَى الهامَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ يزعُم ذَلِكَ أَهلُ الجاهِلية. والصَّدَى: الصَّوْت. والصَّدَى: مَا يُجِيبُكَ مِنْ صَوْتِ الجَبَلِ ونحوهِ بمِثْلِ صَوْتِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً

؛ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: التَّصْدِيَة مِنَ الصَّدَى، وَهُوَ الصَّوْتُ الَّذِي يَرُدُّهُ عليكَ الجَبَلُ، قَالَ: والمُكاءُ والتَّصْديَة لَيْسَا بصَلاةٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخبر أَنهم جَعَلُوا مكانَ الصَّلاةِ الَّتي أُمِروا بِهَا الْمُكَاءَ والتَّصْدِيَة؛ قَالَ: وَهَذَا كقولِكَ رَفَدَنِي فلانٌ ضَرْباً وحرْماناً أَي جَعل هَذَيْن مكانَ الرِّفْدِ والعَطاءِ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:

قَرَيْناهُمُ المَأَثُورَةَ البِيضَ قَبْلَها، ... يَثُجُّ القُرونَ الأَيْزَنِيُّ المُثَقَّف «٢»

. أَي جَعَلْنا لَهُمْ بدَلَ القِرَى السُّيوفَ والأَسِنَّة. والتَّصْدِيَة: ضَرْبُكَ يَداً عَلَى يَدٍ لتُسْمِعَ ذَلِكَ إِنْسَانًا، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ مُكاءً وتَصْدِيَة. صَدَّى: قيلَ أَصْلُه صَدَّدَ لأَنَّه يقابِلُ فِي التَّصْفِيقِ صَدُّ هَذَا صَدَّ الآخَرِ أَي وجْهاهُما وجْهُ الكَفِّ يقابِلُ وَجْهَ الكَفِّ الأُخْرَى. قَالَ أَبو العَبَّاسِ رِوَايَةً عَنِ المُبَرِّدِ «٣». الصَّدَى عَلَى سِتَّةِ أَوجه، أَحدها مَا يَبْقَى مِنَ المَيّتِ فِي قَبْرِه وَهُوَ جُثَّتهُ؛ قَالَ النَّمِر بنُ تَوْلَبٍ:

أَعاذِلُ، إنْ يُصْبِحْ صَدَايَ بقَفْرَةٍ ... بَعِيداً نَآنِي ناصِرِي وقرِيبي

ف صَدَاهُ: بَدَنهُ وجُثَّتهُ، وَقَوْلُهُ: نَآنِي أَي نَأَى عَنِّي، قَالَ: والصَّدَى الثَّانِي حُشْوةُ الرأْسِ يُقَالُ لَهَا الهَامَةُ والصَّدَى، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقولُ: إنَّ عِظامَ المَوْتَى تَصِيرُ هامَةً فتَطِيرُ، وَكَانَ أَبو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا يسَمون ذَلِكَ الطَّائِرَ الَّذِي يخرُجُ مِنْ هَامَةِ المَيِّتِ إِذَا بَلِيَ الصَّدَى، وجَمْعُه أَصْدَاءٌ؛ قَالَ أَبو دُوَادَ:

سُلِّطَ المَوْتُ والمَنُونُ عَلَيْهِم، ... فلَهُمْ فِي صَدَى المَقابِرِ هَامُ

وَقَالَ لَبِيدٌ:

فَلَيْسَ الناسُ بَعْدَك فِي نَقِيرٍ، ... ولَيْسُوا غَيْرَ أصْدَاءٍ وهامِ

وَالثَّالِثُ الصَّدَى الذَّكَر مِنَ البُومِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: إِذَا قُتلَ قَتِيلٌ فَلَمْ يُدْرَكْ بِهِ الثَّأْرُ خَرجَ مِنْ رَأْسِه طائِرٌ كالبُومَة وهي الهامَة والذَّكر الصَّدَى، فَيَصِيحُ عَلَى قَبْرِه: اسْقُونِي اسْقُونِي فَإِنْ قُتِل قاتِلُه كَفَّ عَنْ صِياحهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «٤». أَضْرِبْكَ حَتَّى تَقولَ الهَامَةُ: اسْقُونِي وَالرَّابِعُ الصَّدَى مَا يرجِع عَلَيْكَ مِنْ صوتِ الْجَبَلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

صمَّ صَدَاها وعَفا رَسْمُها، ... واسْتَعْجَمَتْ عَنْ منطِقِ السَّائل

وَرَوَى ابْنُ أَخي الأَصمعي عَنْ عَمِّهِ قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ الصَّدى فِي الهامةَ، والسَّمْعُ فِي الدِّماغ. يُقَالُ: أَصمَّ اللهُ صَداهُ، مِنْ هَذَا، وَقِيلَ: بَلْ أَصمَّ اللهَ صَدَاه، مِنْ صَدَى الصوتِ الَّذِي يُجِيبُ صَوْتَ المُنادي؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ فِي تَصْدِيقِ مَنْ يقول الصَّدَى الدِّماغ:


(٢). قوله [القرون] هكذا في الأَصل هنا، والذي في التهذيب هنا واللسان في مادة يزن: يثج العروق
(٣). قوله [رواية عن المبرد] هكذا في الأَصل، وفي التهذيب: وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ
(٤). هو أبو الإِصبع العدواني، وصدر البيت:
يا عمرو وإن لم تدع شتمي ومنقصتي

<<  <  ج: ص:  >  >>