للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الأَخفش: زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنه أَراد الْفَاءَ وَالتَّاءَ فرَخَّم، قَالَ: وَهَذَا خطأٌ، أَلا تَرَى أَنك لَوْ قُلْتَ زَيْدًا وَا تُرِيدُ وَعَمْرًا لَمْ يُستدلَّ أَنك تُرِيدُ وَعَمْرًا، وَكَيْفَ يُريدون ذَلِكَ وَهُمْ لَا يَعْرِفون الْحُرُوفَ؟ قَالَ ابْنُ جِنِّي: يُرِيدُ أَنك لَوْ قُلْتَ زَيْدًا وَا مِنْ غَيْرِ أَن تَقُولَ وعَمْراً لَمْ يُعلم أَنك تُرِيدُ عَمراً دُونَ غَيْرِهِ، فَاخْتَصَرَ الأَخفش الْكَلَامَ ثُمَّ زَادَ عَلَى هَذَا بأَن قَالَ: إِن الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الْحُرُوفَ، يَقُولُ الأَخفش: فإِذا لَمْ تَعْرِفِ الْحُرُوفَ فَكَيْفَ تُرَخِّمُ مَا لَا تَعْرِفُهُ وَلَا تَلْفِظُ بِهِ؟ وإِنما لَمْ يَجُزْ تَرْخِيمُ الْفَاءِ وَالتَّاءِ لأَنهما ثُلاثيان سَاكِنَا الأَوسط فَلَا يُرَخَّمانِ، وأَما الْفَرَّاءُ فَيَرَى تَرْخِيمَ الثُّلَاثِيِّ إِذا تَحَرَّكَ أَوْسَطُه نَحْوَ حَسَنٍ وحَمَلٍ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ السِّينَ تَاءً؛ وأَنشد لِعلْباء بْنِ أَرقم:

يَا قَبَّحَ اللهُ بَني السِّعْلاتِ: ... عَمْرَو بنَ يَرْبوعٍ شِرارَ الناتِ

لَيْسُوا أَعِفَّاءَ وَلَا أَكْياتِ

يُرِيدُ الناسَ والأَكْياسَ. قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ التَّاءَ كَافًا؛ وأَنشد لِرَجُلٍ مِنْ حِمْيَر:

يَا ابنَ الزُّبَيْرِ طالَما عَصَيْكا، ... وطالَما عَنَّيْتَنا إِلَيْكا،

لَنَضْرِبَنْ بسَيْفِنا قَفَيْكا

اللَّيْثُ: تَا وَذِي لغتانِ فِي مَوْضِعِ ذِه، تَقُولُ: هَاتَا فُلانةُ، فِي مَوْضِعِ هَذِهِ، وَفِي لُغَةٍ تَا فُلَانَةُ، فِي مَوْضِعِ هَذِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: تَا اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلى الْمُؤَنَّثِ مِثْلُ ذَا لِلْمُذَكَّرِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

هَا إِنَّ تَا عِذْرَةٌ إِنْ لَا تَكُنْ نَفَعَتْ، ... فَإِنَّ صاحِبَها قَدْ تاهَ فِي البَلَدِ «١»

وَعَلَى هَاتَيْنِ اللُّغَتَيْنِ قَالُوا تِيكَ وتِلْكَ وتالِكَ، وَهِيَ أَقبح اللُّغَاتِ كُلِّهَا، فإِذا ثَنَّيْت لَمْ تَقُلْ إِلَّا تانِ وتانِك وتَيْنِ وتَيْنِكَ فِي الْجَرِّ وَالنَّصْبِ فِي اللُّغَاتِ كُلِّهَا، وإِذا صَغَّرت لَمْ تَقُلْ إِلَّا تَيَّا، وَمِنْ ذَلِكَ اشْتُقَّ اسْمُ تَيَّا؛ قَالَ: وَالَّتِي هِيَ مَعْرِفةُ تَا، لَا يَقُولونها فِي المَعرفة إِلا عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ، وَجَعَلُوا إِحْدَى اللَّامَيْنِ تَقْوِيَةً للأُخرى اسْتِقْبَاحًا أَن يَقُولُوا الَّتِي، وإِنما أَرادوا بِهَا الأَلف وَاللَّامَ المُعَرِّفة، وَالْجَمْعُ اللَّاتِي، وَجَمْعُ الْجَمْعِ اللَّواتِي، وَقَدْ تَخْرُجُ التَّاءُ مِنَ الْجَمْعِ فَيُقَالُ اللَّائِي مَمْدُودَةً، وَقَدْ تَخْرُجُ الْيَاءُ فَيُقَالُ اللَّاءِ، بِكَسْرَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْيَاءِ، وَبِهَذِهِ اللُّغَةِ كَانَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يقرأُ؛ وأَنشد غَيْرُهُ:

مِنَ اللَّاءِ لَمْ يَحْجُجْنَ يَبْغِينَ حِسْبةً، ... ولَكِنْ لِيَقْتُلْنَ البَرِيءَ المُغَفَّلا

وإِذا صَغَّرْت الَّتِي قُلْتَ اللَّتَيَّا، وإِذا أَردت أَن تَجْمَعَ اللَّتَيَّا قُلْتَ اللَّتَيَّاتِ. قَالَ اللَّيْثُ: وإِنما صَارَ تَصْغِيرُ تِهِ وذِه وَمَا فِيهِمَا مِنَ اللُّغَاتِ تَيَّا لأَن كَلِمَةَ التَّاءِ وَالذَّالِ مِنْ ذِه وتِه كلُّ وَاحِدَةٍ هِيَ نَفْسٌ وَمَا لَحِقَها مِنْ بَعْدِهَا فإِنها عمادٌ لِلتَّاءِ لِكَيْ يَنْطَلِقَ بِهِ اللِّسَانُ، فَلَمَّا صُغِّرت لَمْ تَجِد ياءُ التَّصْغِيرِ حَرْفَيْنِ مِنْ أَصل الْبِنَاءِ تَجِيءُ بعدَهما كَمَا جَاءَتْ فِي سُعَيْدٍ وعُمَيْرٍ، وَلَكِنَّهَا وَقَعَتْ بعدَ التَّاءِ فَجَاءَتْ بَعْدَ فَتْحَةٍ، وَالْحَرْفُ الَّذِي قَبْلَ يَاءِ التَّصْغِيِرِ بجَنْبها لَا يَكُونُ إِلا مَفْتُوحًا، ووقَعت التَّاءُ إِلى جَنْبِهَا فانْتَصَبَتْ وَصَارَ مَا بَعْدَهَا قوَّة لَهَا، وَلَمْ يَنْضَمَّ قَبْلَهَا شَيْءٌ لأَنه لَيْسَ قَبْلَهَا حَرْفَانِ، وجمِيعُ التَّصْغِيرِ صَدْرُه مَضْمومٌ وَالْحَرْفُ الثَّانِي مَنْصُوبٌ ثُمَّ بَعْدَهُمَا يَاءُ التَّصْغِيرِ، ومنَعَهم أَن يَرْفَعُوا التَّاءَ الَّتِي فِي التَّصْغِيرِ لأَن هَذِهِ الْحُرُوفَ دَخَلَتْ عِمَادًا لِلِّسَانِ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ فصارَتِ الْيَاءُ الَّتِي قَبْلَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، لأَنها قُلِبت لِلِّسَانِ عِمَادًا، فإِذا وَقَعَتْ فِي الحَشْو لَمْ تَكُنْ عِماداً، وَهِيَ فِي تَيَّا الأَلف الَّتِي كَانَتْ فِي ذَا؛ وقال


(١). رواية الديوان: ها إن ذي عِذرة إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>