للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُبَرِّدُ: هَذِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُبْهَمَةُ مُخَالِفَةُ لِغَيْرِهَا فِي مَعْنَاهَا وَكَثِيرٍ مِنْ لَفْظِهَا، فَمِنْ مُخالفتِها فِي الْمَعْنَى وُقُوعها فِي كُلِّ مَا أَوْمَأْت، إِلَيْهِ وأَما مُخَالَفَتُهَا فِي اللَّفْظِ فإِنها يَكُونُ مِنْهَا الِاسْمُ عَلَى حَرْفَيْنِ، أَحدهما حرفُ لِين نَحْوُ ذَا وتاء فَلَمَّا صُغِّرت هَذِهِ الأَسماء خُولِف بِهَا جِهةَ التَّصْغِيرِ فَلَا يعربُ المُصغَّرُ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ عَلَى تَصْغِيرِهِ دَلِيلٌ، وأُلحقت أَلف فِي أَواخرها تَدُلُّ عَلَى مَا كَانَتْ تَدُلُّ عَلَيْهِ الضَّمَّةُ فِي غَيْرِ الْمُبْهَمَةِ، أَلا تَرَى أَنَّ كُلَّ اسْمٍ تُصَغِّره مِنْ غَيْرِ الْمُبْهَمَةِ تَضمُّ أَوّله نَحْوَ فُلَيْسٍ ودُرَيْهِمٍ؟ وَتَقُولُ فِي تَصْغِيرِ ذَا ذَيًّا، وَفِي تَا تَيًّا، فإِن قَالَ قَائِلٌ: مَا بالُ يَاءُ التصغيرِ لَحِقَت ثَانِيَةً وإِنما حَقُّها أَنْ تَلْحَقَ ثَالِثَةً؟ قِيلَ: إِنها لَحِقَتْ ثَالِثَةً وَلَكِنَّكَ حَذَفْتَ يَاءً لِاجْتِمَاعِ الياءَاتِ فَصَارَتْ ياءُ التَّصْغِيرِ ثَانِيَةً، وَكَانَ الأَصل ذُيَيَّا، لأَنك إِذَا قُلْتَ ذَا فالأَلف بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ، وَلَا يَكُونُ اسْمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ فِي الأَصل فَقَدْ ذهَبَتْ ياءٌ أُخَرَى، فإِن صَغَّرتَ ذِهِ أَوْ ذِي قُلْتَ تَيًّا، وإِنما مَنَعَكَ أَن تَقُولَ ذَيًّا كَراهيةَ الِالْتِبَاسِ بالمُذَكَّرِ فَقُلْتَ تَيًّا؛ قَالَ: وَتَقُولُ فِي تَصْغِيرِ الَّذِي اللَّذَيَّا وَفِي تَصْغِيرِ الَّتِي اللَّتَيَّا كَمَا قَالَ:

بَعْدَ اللَّتَيَّا واللَّتَيَّا والَّتِي، ... إِذا عَلَتْها أَنْفُسٌ تَرَدَّتِ

قَالَ: وَلَوْ حَقَّرْتَ اللاتِي قُلْتَ فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ اللَّتَيَّاتِ كَتَصْغِيرِ الَّتِي، وَكَانَ الأَخفش يَقُولُ وَحْدَهُ اللُّوتِيَّا «١» لأَنه لَيْسَ جَمْعُ الَّتِي عَلَى لَفْظِهَا فإِنما هُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ، قَالَ المُبرد: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تِه مِثْلُ ذِه، وتانِ لِلتَّثْنِيَةِ، وأُولاء لِلْجَمْعِ، وَتَصْغِيرُ تَا تَيَّا، بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، لأَنك قَلَبْتَ الأَلف يَاءً وأَدْغَمْتَها فِي يَاءِ التَّصْغِيرِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وأَدغمت يَاءَ التَّصْغِيرِ فِيهَا لأَنّ يَاءَ التَّصْغِيرِ لَا تَتَحَرَّكُ أَبداً، فَالْيَاءُ الأُولى فِي تَيّا هِيَ يَاءُ التَّصْغِيرِ وَقَدْ حُذِفَتْ مِنْ قَبْلِهَا يَاءٌ هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ، وأَما الْيَاءُ الْمُجَاوِرَةُ للأَلف فَهِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ: أَنه رأَى جَارِيَةً مَهْزُولة فَقَالَ مَنْ يَعْرِف تَيَّا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: هِيَ واللهِ إِحدى بَناتِك

؛ تَيًّا: تصغيرُ تَا، وَهِيَ اسْمُ إِشَارَةٍ إِلَى الْمُؤَنَّثِ بِمَنْزِلَةِ ذَا للمذَكَّر، وإِنما جَاءَ بِهَا مُصَغَّرة تَصْغيراً لأَمرها، والأَلف فِي آخِرِهَا عَلَامَةُ التَّصْغِيرِ وَلَيْسَتِ الَّتِي فِي مُكَبَّرِهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ: وأَخَذَ تِبْنةً مِنَ الأَرض فَقَالَ تَيًّا مِنَ التوفيقِ خيرٌ مِنْ كَذَا وَكَذَا مِنَ العَمَل. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَكَ أَن تُدْخِلَ عَلَيْهَا هَا التنبيهِ فَتَقُولُ هَاتَا هِنْدٌ وَهَاتَانِ وَهَؤُلَاءِ، وَلِلتَّصْغِيرِ هاتَيًّا، فإِن خاطَبْتَ جئتَ بِالْكَافِ فَقُلْتَ تِيكَ وتِلْكَ وتاكَ وتَلْكَ، بِفَتْحِ التَّاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ رديئةٌ، وَلِلتَّثْنِيَةِ تانِكَ وتانِّكَ، بِالتَّشْدِيدِ، وَالْجَمْعُ أُولَئِكَ وأُولاكَ وأُولالِكَ، فَالْكَافُ لِمَنْ تُخَاطِبُهُ فِي التَّذْكِيرِ والتأْنيث وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، وَمَا قَبْلَ الكافِ لِمَنْ تُشِيرُ إِليه فِي التَّذْكِيرِ والتأْنيث وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، فإِن حَفِظْتَ هَذَا الأَصل لَمْ تُخطِئ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِهِ؛ وَتَدْخُلُ الْهَاءُ عَلَى تِيكَ وتاكَ تَقُولُ هاتِيكَ هِندٌ وهاتاكَ هِندٌ؛ قَالَ عَبِيدٌ يَصِفُ نَاقَتَهُ:

هاتِيكَ تَحْمِلُني وأَبْيَضَ صارِماً، ... ومُذَرَّباً فِي مارِنٍ مَخْمُوسِ

وَقَالَ أَبو النَّجْمِ:

جِئْنا نُحَيِّيكَ ونَسْتَجْدِيكا، ... فافْعَلْ بِنا هاتاكَ أَوْ هاتِيكا

أَي هَذِهِ أَو تِلْك تَحِيَّةً أَو عَطِيَّةً، وَلَا تَدْخُلُ هَا عَلَى تِلْكَ لأَنهم جَعَلُوا اللَّامَ عِوَضًا عَنْ هَا التَّنْبِيه؛


(١). قوله [اللوتيا] كذا بالأصل والتهذيب بتقديم المثناة الفوقية على التحتية، وسيأتي للمؤلف في ترجمة تصغير ذا وتا اللويا.

<<  <  ج: ص:  >  >>