للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّبِيِّ. وَلَقِيتُهُ أَوَّلَ ذِي يَدَيْنِ وذاتِ يَدَيْنِ أَي أَوَّل كُلِّ شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ افْعَلْهُ أَوَّلَ ذِي يدَين وذاتِ يَدَيْنِ. وَقَالُوا: أَمّا أَوّلُ ذاتِ يَدَيْنِ فإِني أَحمدُ اللَّهَ، وَقَوْلُهُمْ: رأَيت ذَا مَالٍ، ضارَعَتْ فِيهِ الإِضافةُ التأْنيث، فَجَاءَ الِاسْمُ الْمُتَمَكِّنُ عَلَى حَرْفَيْنِ ثَانِيهِمَا حرفُ لِينٍ لَمَّا أُمِنَ عَلَيْهِ التَّنْوِينُ بالإِضافة، كَمَا قَالُوا: لَيت شِعْري، وإِنما الأَصل شِعْرَتي. قَالُوا: شَعَرْتُ بِهِ شِعْرَة، فَحَذَفَ التَّاءَ لأَجل الإِضافة لَمَّا أُمِنَ التنوينُ، وَتَكُونُ ذُو بِمَعْنَى الَّذِي، تُصاغ ليُتوصَّل بِهَا إِلى وَصْفِ المعارِف بِالْجُمَلِ، فَتَكُونُ نَاقِصَةً لَا يَظْهَرُ فِيهَا إِعراب كَمَا لَا يَظْهَرُ فِي الَّذِي، وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ فَتَقُولُ: أَتاني ذُو قالَ ذاكَ وذُو قَالَا ذَاكَ وذُو قَالُوا ذَاكَ، وَقَالُوا: لَا أَفعل ذاكَ بذِي تَسْلَمُ وَبِذِي تَسْلَمانِ وبذِي تَسْلَمُون وبذِي تَسْلَمِين، وَهُوَ كالمثَل أُضِيفت فِيهِ ذُو إِلى الْجُمْلَةِ كَمَا أُضيفت إِليها أَسماء الزَّمَانِ، وَالْمَعْنَى لَا وسَلامَتِك وَلَا وَاللَّهِ يُسَلِّمُك «١». وَيُقَالُ: جَاءَ مِنْ ذِي نَفْسِهِ وَمِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ أَي طَيِّعاً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَمَّا ذُو الَّذِي بِمَعْنَى صَاحِبٍ فَلَا يَكُونُ إِلا مُضَافًا، وإِنْ وَصَفْتَ بِهِ نَكِرةً أَضَفْته إِلى نَكِرَةٍ، وإِن وَصَفْتَ بِهِ مَعْرِفَةً أَضفته إِلى الأَلف وَاللَّامِ، وَلَا يَجُوزُ أَن تُضيفَه إِلى مُضْمَرٍ وَلَا إِلى زَيْدٍ وَمَا أَشبهه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِذا خَرَجَتْ ذُو عَنْ أَن تَكُونَ وُصْلةً إِلى الوَصْف بأَسماء الأَجناس لَمْ يَمْتَنِعْ أَن تَدْخُلَ عَلَى الأَعلام والمُضْمرات كَقَوْلِهِمْ ذُو الخلَصَةِ، والخَلَصَةُ: اسْمُ عَلَمٍ لصَنَمٍ، وذُو كنايةٌ عَنْ بَيْتِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ ذُو رُعَيْنٍ وذُو جَدَنٍ وذُو يَزَنَ، وَهَذِهِ كُلُّهَا أَعلام، وَكَذَلِكَ دَخَلَتْ عَلَى الْمُضْمَرِ أَيضاً؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:

صَبَحْنا الخَزْرَجِيَّةَ مُرْهَفاتٍ ... أَبارَ ذَوِي أَرُومَتِها ذَوُوها

وَقَالَ الأَحوص:

ولَكِنْ رَجَوْنا مِنْكَ مِثْلَ الَّذِي بِهِ ... صُرِفْنا قَدِيماً مِن ذَوِيكَ الأَوائِلِ

وَقَالَ آخر:

إِنما يَصْطَنِعُ المَعْروفَ ... فِي الناسِ ذَوُوهُ

وَتَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ذِي مالٍ، وبامرأَة ذاتِ مالٍ، وَبِرَجُلَيْنِ ذَوَيْ مالٍ، بِفَتْحِ الْوَاوِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ

؛ وَبِرِجَالٍ ذَوِي مَالٍ، بِالْكَسْرِ، وَبِنِسْوَةٍ ذواتِ مَالٍ، وَيَا ذواتِ الجِمام، فتُكْسَرُ التَّاءُ فِي الْجَمْعِ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ كَمَا تُكْسَرُ تَاءُ الْمُسْلِمَاتِ، وَتَقُولُ: رأَيت ذواتِ مَالٍ لأَن أَصلها هَاءٌ، لأَنك إِذا وَقَفْتَ عَلَيْهَا فِي الْوَاحِدِ قُلْتَ ذاهْ، بِالْهَاءِ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا وُصِلَتْ بِمَا بَعْدَهَا صَارَتْ تَاءً، وأَصل ذُو ذَوًى مِثْلُ عَصاً، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ هاتانِ ذَوَاتَا مالٍ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ذَواتا أَفْنانٍ

، فِي التَّثْنِيَةِ. قَالَ: وَنَرَى أَن الأَلف مُنْقَلِبَةٌ مِنْ وَاوٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ مُنْقَلِبَةٌ مِنْ يَاءٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ثُمَّ حُذِفت مِنْ ذَوًى عَيْنُ الْفِعْلِ لِكَرَاهَتِهِمُ اجْتِمَاعَ الْوَاوَيْنِ لأَنه كَانَ يَلْزَمُ فِي التَّثْنِيَةِ ذَوَوانِ مِثْلَ عَصَوانِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ كَانَ يَلْزَمُ فِي التَّثْنِيَةِ ذَويانِ، قَالَ: لأَن عَيْنَهُ وَاوٌ، وَمَا كَانَ عينُه وَاوًا فَلَامُهُ يَاءٌ حَمْلًا عَلَى الأَكثر، قَالَ: وَالْمَحْذُوفُ مِنْ ذَوًى هُوَ لَامُ الْكَلِمَةِ لَا عَينُها كَمَا ذَكَرَ، لأَن الْحَذْفَ فِي اللَّامِ أَكثر مِنَ الْحَذْفِ فِي الْعَيْنِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مِثْلُ عَصَوانِ فبَقِي ذًا مُنَوَّن، ثُمَّ ذَهَبَ التَّنْوِينُ للإِضافة


(١). قوله [ولا والله يسلمك] كذا في الأصل، وكتب بهامشه: صوابه ولا والذي يسلمك.

<<  <  ج: ص:  >  >>