فِي قَوْلِكَ ذُو مَالٍ، والإِضافة لَازِمَةٌ لَهُ كَمَا تَقُولُ فُو زَيْدٍ وَفَا زَيْدٍ، فإِذا أَفردت قُلْتَ هَذَا فَمٌ، فَلَوْ سَمَّيْتَ رجُلًا ذُو لَقُلْتَ: هَذَا ذَوًى قَدْ أَقبل، فَتَرُدُّ مَا كَانَ ذَهَبَ، لأَنه لَا يَكُونُ اسْمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ أَحدهما حَرْفُ لِينٍ لأَن التَّنْوِينَ يُذْهِبُهُ فَيَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ نسَبت إِليه قُلْتَ ذَوَوِيٌّ مِثَالَ عَصَوِيٍ، وَكَذَلِكَ إِذا نَسَبْتَ إِلى ذَاتٍ لأَن التَّاءَ تُحْذَفُ فِي النِّسْبَةِ، فكأَنك أَضفت إِلى ذِي فَرَدَدْتَ الْوَاوَ، وَلَوْ جَمَعْتَ ذُو مَالٍ قُلْتَ هَؤُلَاءِ ذَوُونَ لأَن الإِضافة قَدْ زَالَتْ؛ وأَنشد بَيْتَ الْكُمَيْتِ:
ولكنِّي أُريد بِهِ الذَّوينا
وأَما ذُو، الَّتِي فِي لغة طَيِء بِمَعْنَى الَّذِي، فَحَقُّهَا أَن تُوصَف بِهَا المعارِف، تَقُولُ: أَنا ذُو عَرَفْت وذُو سَمِعْت، وَهَذِهِ امرأَةُ ذُو قالَتْ، كَذَا يَسْتَوِي فِيهِ التَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ والتأْنيث؛ قَالَ بُجَيْر بْنُ عَثْمةَ الطَّائِيُّ أَحد بَنِي بَوْلانَ:
وإِنَّ مَوْلايَ ذُو يُعاتِبُني، ... لَا إِحْنةٌ عِنْدَه وَلَا جَرِمَهْ
ذاكَ خَلِيلي وذُو يُعاتِبُني، ... يَرْمي وَرَائِي بامْسَهْمِ وامْسَلِمَهْ «١»
يُرِيدُ: الَّذِي يُعاتِبُني، وَالْوَاوُ الَّتِي قَبْلَهُ زَائِدَةٌ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِن ذَا وَحْدَهَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي كَقَوْلِهِمْ مَاذَا رأَيت؟ فتقول: مَتاعٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
أَلا تَسأَلانِ المَرْء مَاذَا يُحاوِلُ؟ ... أَنَحْبٌ فيُقْضى أَم ضَلالٌ وباطِلُ؟
قَالَ: وَيَجْرِي مَعَ مَا بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِمْ مَاذَا رأَيت؟ فَتَقُولُ: خَيْرًا، بِالنَّصْبِ، كأَنه قَالَ مَا رأَيْت، فَلَوْ كَانَ ذَا هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَكَانَ الْجَوَابُ خَيْرٌ بِالرَّفْعِ، وأَما قَوْلُهُمْ ذاتَ مَرَّةٍ وَذَا صَباحٍ فَهُوَ مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ الَّتِي لَا تَتَمَكَّنُ، تَقُولُ: لَقِيته ذاتَ يَوْمٍ وذاتَ ليلةٍ وذاتَ العِشاء وذاتَ مَرَّةٍ وذاتَ الزُّمَيْنِ وَذَاتَ العُوَيْمِ وَذَا صَباحٍ وَذَا مَساءٍ وَذَا صَبُوحٍ وَذَا غَبُوقٍ، فَهَذِهِ الأَربعة بِغَيْرِ هَاءٍ، وإِنما سُمِع فِي هَذِهِ الأَوقات وَلَمْ يَقُولُوا ذاتَ شهرٍ وَلَا ذاتَ سَنَةٍ. قَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ
؛ إِنما أَنثوا لأَن بَعْضَ الأَشياء قَدْ يُوضَعُ لَهُ اسْمٌ مُؤَنَّثٌ وَلِبَعْضِهَا اسْمٌ مُذَكَّرٌ، كَمَا قَالُوا دارٌ وحائطٌ، أَنثوا الدَّارَ وذكَّروا الْحَائِطَ. وَقَوْلُهُمْ: كَانَ ذَيْتَ وذَيْتَ مِثْلَ كَيْتَ وكَيْتَ، أَصله ذَيْوٌ عَلَى فَعْلٍ سَاكِنَةُ الْعَيْنِ، فحُذِفت الْوَاوُ فَبَقِيَ عَلَى حَرْفَيْنِ فشُدِّدَ كَمَا شُدِّد كَيٌّ إِذا جَعَلْتَهُ اسْمًا، ثُمَّ عُوِّض مِنَ التَّشْدِيدِ التَّاءُ، فإِن حَذَفْتَ التَّاءَ وجِئْتَ بِالْهَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَن تردَّ التَّشْدِيدَ، تَقُولُ: كَانَ ذَيَّهْ وذَيَّهْ، وإِن نَسَبْتَ إِليه قُلْتَ ذَيَويٌّ كَمَا تَقُولُ بَنَوِيٌّ فِي النَّسَبِ إِلى الْبِنْتِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ فِي أَصل ذَيْت ذَيْوٌ، قَالَ: صَوَابُهُ ذَيٌّ لأَنَّ مَا عَيْنُهُ يَاءٌ فَلَامُهُ يَاءٌ، وَاللَّهُ أَعلم، قَالَ: وذاتُ الشَّيْءِ حَقِيقتُه وخاصَّته. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ قَلَّتْ ذاتُ يَدِه؛ قَالَ: وذاتُ هَاهُنَا اسْمٌ لِمَا مَلَكَتْ يَدَاهُ كأَنها تَقَعُ عَلَى الأَموال، وَكَذَلِكَ عَرَفه مِنْ ذاتِ نَفْسِه كأَنه يَعْنِي سَرِيرَته المُضْمرة، قَالَ: وذاتٌ نَاقِصَةٌ تَمَامُهَا ذواتٌ مِثْلُ نَواةٍ، فَحَذَفُوا مِنْهَا الْوَاوَ، فإِذا ثَنَّوْا أَتَمُّوا فَقَالُوا ذواتانِ كَقَوْلِكِ نَواتانِ، وإِذا ثَلَّثُوا رَجَعُوا إِلى ذَاتٍ فَقَالُوا ذَوَاتٌ، وَلَوْ جَمَعُوا عَلَى التَّمَامِ لَقَالُوا ذَوَياتٌ كَقَوْلِكَ نَوَيَاتٌ، وَتَصْغِيرُهَا ذُوَيّةٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ*
؛
(١). قوله [ذو يعاتبني] تقدم في حرم: ذو يعايرني، وقوله [وذو يعاتبني] في المغني: وذو يواصلني.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute