للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَسْرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، هَذَا عَلَى قَوْلِ أَهل الْكُوفَةِ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:

يَا ربِّ يَا رَبَّاهُ إِيَّاكَ أَسَلْ ... عَفْراء، يَا رَبَّاهُ مِنْ قَبْلِ الأَجلْ

وَقَالَ قَيْسِ بنُ مُعاذ الْعَامِرِيُّ، وَكَانَ لمَّا دخلَ مَكَّةَ وأَحْرَمَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ جَعَلَ يَسْأَلُ رَبَّه فِي لَيْلى، فَقَالَ لَهُ أَصحابه: هَلَّا سأَلتَ اللَّهَ فِي أَن يُريحَكَ مِنْ لَيْلى وسأَلْتَه المَغْفرةَ فَقَالَ:

دَعا المُحْرمُونَ اللهَ يَسْتَغْفِرُونَه، ... بِمكَّةَ، شُعْثاً كَيْ تُمحَّى ذُنُوبُها

فَنادَيْتُ: يَا رَبَّاهُ أَوَّلَ سَأْلَتي ... لِنَفْسِيَ لَيْلى، ثُمَّ أَنْتَ حَسِيبُها

فإِنْ أُعْطَ لَيْلى فِي حَياتِيَ لَا يَتُبْ، ... إِلى اللهِ، عَبْدٌ تَوْبةً لَا أَتُوبُها

وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشِّعْرِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ بحُجة عِنْدَ أَهل الْبَصْرَةِ، وَهُوَ خارجٌ عَنِ الأَصل، وَقَدْ تُزَادُ الْهَاءُ فِي الْوَقْفِ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ نَحْوَ لِمَهْ وسُلْطانِيَهْ ومالِيَهْ وثُمَّ مَهْ، يَعْنِي ثُمَّ مَاذَا، وَقَدْ أَتَتْ هَذِهِ الْهَاءُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ كَمَا قَالَ:

هُمُ القائلونَ الخَيرَ والآمِرُونَهُ، ... إِذا مَا خَشَوْا مِن مُعْظَمِ الأَمرِ مُفْظِعا «١»

فأَجْراها مُجْرَى هَاءِ الإِضمار، وَقَدْ تَكُونُ الْهَاءُ بَدَلًا مِنَ الْهَمْزَةِ مَثْلَ هَراقَ وأَراقَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ثَلَاثَةُ أَفعال أَبْدَلوا مِنْ هَمْزَتِهَا هَاءً، وَهِيَ: هَرَقْت الْمَاءَ، وهَنَرْتُ الثَّوْبَ «٢» وهَرَحْتُ الدابَّةَ، وَالْعَرَبُ يُبْدِلون أَلف الْاسْتِفْهَامِ هَاءً؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:

وأَتَى صَواحِبُها فَقُلْنَ: هَذَا الَّذِي ... مَنَحَ المَوَدَّةَ غَيْرَنا وجَفانا

يَعْنِي أَذا الَّذِي، وَهَا كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ، وَقَدْ كَثُرَ دُخُولُهَا فِي قَوْلِكَ ذَا وذِي فَقَالُوا هَذَا وهَذِي وهَذاك وهَذِيك حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَا لِمَا بَعُدَ وَهَذَا لِمَا قَرُبَ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَا إِنَّ هَاهُنا عِلْماً، وأَوْمَأَ بِيَدِه إِلى صَدْرِه، لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلةً

؛ هَا، مَقْصورةً: كلمةُ تَنبيه للمُخاطَب يُنَبَّه بِهَا عَلَى مَا يُساقُ إِليهِ مِنَ الْكَلَامِ. وَقَالُوا: هَا السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَهَا مُنَبِّهَةٌ مؤَكِّدةٌ؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:

وقَفْنا فقُلنا: هَا السَّلامُ عليكُمُ ... فأَنْكَرَها ضَيقُ المَجَمِّ غَيُورُ

وَقَالَ الْآخَرُ:

هَا إِنَّها إِنْ تَضِقِ الصُّدُورُ، ... لَا يَنْفَعُ القُلُّ وَلَا الكَثِيرُ

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هَا اللهِ، يُجْرَى مُجْرى دابَّةٍ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ، وَقَالُوا: هَا أَنْتَ تَفْعَلُ كَذَا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ*

وهأَنْتَ، مَقْصُورٌ. وَهَا، مَقْصُورٌ: للتَّقْريب، إِذا قِيلَ لَكَ أَيْنَ أَنْتَ فَقُلْ هَا أَنا ذَا، والمرأَةُ تَقُولُ هَا أَنا ذِهْ، فإِن قِيلَ لَكَ: أَيْنَ فُلَانٌ؟ قلتَ إِذا كَانَ قَرِيبًا: هَا هُو ذَا، وإِن كَانَ بَعِيداً قُلْتَ: هَا هُوَ ذَاكَ، وللمرأَةِ إِذا كَانَتْ قَريبة: هَا هِيَ ذِهْ، وإِذا كَانَتْ بَعِيدَةً: هَا هِيَ تِلْكَ، والهاءُ تُزادُ فِي كلامِ الْعَرَبِ عَلَى سَبْعة أَضْرُب: أَحدها للفَرْقِ بَيْنَ الْفَاعِلِ والفاعِلة مثل


(١). قوله [من معظم الأمر إلخ] تبع المؤلف الجوهري، وقال الصاغاني والرواية: مِنْ مُحْدَثِ الأَمر مُعْظَمَا، قال: وهكذا أنشده سيبويه.
(٢). قوله [وهنرت الثوب] صوابه النار كما في مادة هرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>