للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضهم بعضًا.

قُلتُ: تقدم في الجهاد سؤال ابن رشد في فعلي الشيخين في أهل الردة، فقد كره ابن شاس: إن رفع لقاض رضاع كبير، فحكم بأن رضاع الكبير يحرم، وفسخه نكاحه لذلك، فالقدر الذي ثبت من حكمه هو فسخ النكاح فقط لا تحريمها عليه في المستقبل؛ بل هو باق لتعلق الاجتهاد فيه، وكذا فسخه نكاح، وتحريمها على زوجها الثابت من حكمه فسخه لا تحريمها عليه، وتبعه ابن الحاجب وقبلوه.

قُلتُ: وهو صواب في مسألة المعتدة، وأما في نكاح الكبير فغير صحيح، أو فيه نظر، وبيانه أن علة منع حكم الثاني بخلاف حكم هي كون حكم الثاني رافعًا لمتعلق حكم الأول بالذات، وهذا لأنه دار معه وجودًا وعدمًا.

أما وجودًا: ففي أمثال حكم الحاكم الثاني يكون المبتاع الأول فيما باعه الآمر، والمأمور أحق بالمبيع، ولو قبضه المبتاع الثاني بعد حكم الحاكم الأول بأن قابضه أحق.

وأما عدمًا: ففي جواز حكم عمر وعلي رضى الله عنهما بخلاف ما حكم به من قبلهما في قسم الفيء، وتقرر في أصول الفقه اعتبار الدوران إذا ثبت هذا ونظرنا وجدنا حكم الثاني في حكم الناكح في العدة غير رافع لنفس متعلق حكم الأول؛ لأن متعلق حكمه بالذات الفسخ، والتحريم تابع له؛ فلم توجد علة منع حكم الثاني فيها، ووجدنا حكم الثاني في مسألة رضاع الكبير رافعًا لنفس متعلق حكم الحاكم الأول بالذات، وهو تحريم رضاع الكبير، فسخ نكاحه تابع المتعلق لهذا بالذات لا أنه متعلق حكمه بالذات، فيجب منع حكم الثاني عملًا بالعلة الموجبة لمنعه، فتأمله.

وفيها: أكان مالك يرى للقاضي بقضية تبين له أن غير ما قضى به أصوب أن يرد قضيته، ويقضي بما رأى بعد ذلك، ولو كان ما قضى به مما اختلف فيه؛ قال: إنما قال: إن تبين له أن الحق غير ما قضى به؛ رجع فيه، وإنما لا يرجع فيما قضت به القضاة مما اختلف فيه.

ابن محرز: قال ابن الماجشون وسحنون وغيرهما: لا يجوز له فسخه، وهذا أحسن، وإلا لم يوثق بحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>