للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله بن سلمة في هذا المعنى عن بعض مشاهير عدول تونس، وهو أبو عبد الله بن الفواد، كانت له دراية بفقه الوثيقة وكتبها، وكان يدرس العربية، ومع ذلك وقفه عن الشهادة القاضي أبو عبد الله بن يعقوب، وارتحل إلى المشرف، ثم قدم، فدخل عليه، واعتذر له عن ما نسب إليه من سبب وقفه، فأجابه القاضي ابن يعقوب على ما أخبرني شيخنا أبو عبد الله بن الحباب بما لا يمكن كتبه، فأيس منه، وارتحل ثانية إلى المشرق، ثم قدم بعد انصراف ابن يعقوب، فأعيد لشهادته، وكان أحد شهود الديوان في أوائل هذا القرن الثامن، وولي مدة يسيرة قضاء الأنكحة بتونس أنه أتاه طالب بوثيقة بمال له بال على رجل أنكره، وأنكر الشهادة عليه، فطلب منه رفع شهادته في الوثيقة، فنظرها، فتحقق أن شهادته بخطه، وتذكر موطنها، وأنه شهد على ذلك الرجل، وكان ممن لا يجهل، فلم يذكر ذلك، وعرضت له حيرة بتعارض حالتي تيقنه خطه، وتيقنه عدم تقدم شهادته على الرجل المذكور، فكانت الوثيقة بيده، وهو يتأمل، ويتذكر في بيته، فعرضت له حاجة أخرجته من بيته، وهي في يده، فأتفق أن نظرها ويده بها مرفوعة أعلا وجهه وهو في ضوء الشمس، فوقع بصره على شبهة في كاغد الوثيقة، فتأمله لضوء الشمس؛ فوجد محل شهادته في الكاغد ألصق إلصاقاً خفياً بكاتب كتب فيه ذكر الحق على المطلوب، فانكشف غمه، وفطن دافع الوثيقة له ففر، وكانت القضاة ببلدنا ينفون من ظهر عليه الضرب على الخطوط بعد تأديبه بحسب اجتهادهم إلى بلاد المشرق، فبعث فقهاء المشرق إليهم بالتعقب ليهم في ذلك، وقالوا: أنتم في فعلكم هذا كمن أراح نفسه من معتد في محله بإرساله على غيره من المسلمين، فأجابوهم بأن النفي لا قدرة له على الضرب على خطوط من وصل إليهم؛ لعدم ممارسته خطوطهم.

قلت: وعزو ابن رشد القول الرابع لابن حارث لم أجده بنصه؛ بل نصه: وقول خامس: أنه إن كان كاغداً أو قرطاساً؛ لم تجز، وقال عقب ذكره رواية ابن وهب: إنه إن عرف خطه؛ فليشهد، وجميع هذا على أن الشاهد ممن يعرف المشهود عليه بالعين والاسم قبل تاريخ الكتاب معرفة صحيحة، ويعرف من نفسه التثبت في إيقاع الشهادة، ثم ذكر تلقيه الخمسة الأقوال من بعض من ذاكره من المالكيين، وتفرقة ابن رشد بين

<<  <  ج: ص:  >  >>