من وهمهم ببأس -يعني: أهل المدينة- ولا يريدها أحد بسوء إلا أذابه الله كما يذوب الملح في الماء".
قال المنذري وقد روى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة في الصحاح وغيرها: وروى الطبراني برجال الصحيح مرفوعاً: "اللهمَّ من ظلمَ أهلَ المدينة، وأخافهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" -أي: فرضاً وتطوعاً، أو توبة أو اكتساباً أو وزناً، أقول: ولا عدلاً؛ أي: فرضاً أو تطوعاً، أو فدية أو كيلاً، أقوال. وله ألفاظ عند النسائي، وابن حبان، وغيرهما.
وفي "الصحيحين" مرفوعاً: "من أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدِثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً"، ومعنى اللعن: الإبعادُ عن رحمة الله والطردُ عن الجنة، والمراد: من أتى فيها آثماً، أو آوى من آتاه، وضمه إليه وحماه، وهذا من الكبائر؛ لأن اللعنة لا تكون إلا في كبيرة، فيستفاد منه أن إثم الصغيرة بها كإثم الكبيرة.
وصرح الحافظ ابن القيم: بأن استحلال حرم "المدينة" كبيرة، وقال غيره -أي: عند الأئمة الثلاثة خلافاً لأبي حنيفة-، وعن معقل بن يسار، قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المدينة مهاجَري، فيها مضجعي، وفيها مبعثي، حقيق على أمتي حفظ جيراني ما اجتنبوا الكبائر، من حفظهم، كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة، ومن لم يحفظهم، سقي من طينة الخبال"، قيل للمزني: ما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، رواه ابن النجار، والطبراني بسند فيه متروك، وله ألفاظ عند غيرهما.
وعن يحيى بن سعيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما على الأرض بقعة أحبَّ إليَّ من أن يكون قبري بها منها" يعني: المدينة، ثلاث مرات، رواه مالك مرسلاً. وعن سعيد بن أبي هند، قال: سمعت أبي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل مكة، قال: "اللهم لا تجعل منايانا بمكة حتى نخرج منها"، ورواه أحمد برجال الصحيح عن ابن عمر مرفوعاً، إلا أنه قال: حتى تُخرجنا منها.