للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُرتكبًا هذا الادّعاء؛ في عدِّ نَفْسِه وجماعتِهِ من جِنْس الجنِّ، وعدِّ جِمَاله من جنسِ الطير (١).

ويُؤَيِّدُه؛ أي: المذكور من ادِّعاء: أنّ للأسدِ صورتين، المخيّلاتُ العُرفيةُ؛ أي: ما تخيّلَ في العرف بإخراج شيء من جِنْسٍ وإِدخاله في آخر؛ نحو: هذا ليس بأسدٍ؛ إنَّما هو هِرٌّ اكْتسى إهابَ أسدٍ، وهذا ليس بإنسان؛ كما هو أسد في صورة إنسانٍ.

وذُكِرَت القرينةُ الدّالةُ على أن المرادَ غيرُ المتعارفِ لئلّا يُحمل على المتعارفِ السّابقِ إلى الفهمِ لولا القرينة.

وعليه، أي: على جعل أفرادِ الجنس قِسْمين: متعارفًا، وغير متعارف، ورد قول الشّاعر (٢):


(١) حَملُ المعنى على هذا الادّعاء هو الأَولى، وقد ذكر ابن سنان الخفاجيّ أنّ ابن جنّي حَمَل البيت على الكلام المقلوب؛ على تقدير نحن قوم من الإنس في زيّ الجن فوق جمال لها شخوص طير. وما من شكّ اُنّ هذا تعسّف يفسد المعنى؛ كما ذكر ابن سنان. ينظر: سرّ الفصاحة: (١٠٦).
وما وجدته في الخصائص لابن جنّي يناقض ما أورده ابن سنان عنه؛ إذ قال في باب من غلبة الفروع على الأصول (١/ ٣٠٠): "هذا فصل من فصول العربيّة طريف تجده في معاني العرب ... ولا تكاد تجد شيئًا من ذلك إلّا والغرض فيه المبالغة". ثم أوْرد بيت المتنبيّ وعلق عليه بقوله (١/ ٣٠٣): "فجعل كونهم جنًّا أصلًا، وجعل كونهم ناسًا فرعًا، وجعل كون مطاياه طيرًا أصلًا، وكونها جمالًا فرعًا؛ فشبّه الحقيقة بالمجاز في المعنى الّذي منه أفاد المجاز من الحقيقة ما أفاد".
(٢) عجز بيت من الوافر، وسيأتي صدره. وقائله: عمرو بن معد يكرب. =

<<  <  ج: ص:  >  >>