أنحن مخلوقون من الطين وهم مصبوبون صب الحديد؟ لا. ولكنها العادة، والمران، ومكابدة الأهوال، وممارسة الخطوب. وأنا أتمنى -والله- (وإن كره بعض القراء) أن تتوالى علينا الغارات، وأن نذوق لذع الحرب، ونكوى بنارها، ولو كان في ذلك خراب دور من دورنا، وقتل ناس من أهلنا.
إن الألمان ليسو أصفى منا جوهراً، ولا أطيب أصلاً، ولا أقوى أعصاباً، ولكن حياة الدعة والخمول والقعود عن الحروب كادت تفقد العرب أجمل سلائقهم وأحسن سجاياهم: الصبر والجلد واحتمال الشدائد ومقارعة العدا.
إن العرب اليوم سبعون مليوناً، والمسلمين أربعمئة مليون، وخير من هذه الـ «أربعمئة مليون» أولئك الأربعون الذين كانوا في دار الارقم؛ لأن أولئك عاشوا للجهاد والدعوة، ففتحوا الدنيا، وشادوا المجد الذي نطح النجم، وزحم الدهر، ونحن عشنا للدعة والأمن واللذات فتركنا كلاب اليهود تفتح بلادنا.
اقرؤوا سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مَن كان سيد العرب، وخير البشر، تروها نضالاً مستمراً، وجهاداً في سبيل الله، ما استراح يوماً، ولا استسلم إلى الخفض واللين.
فافرحوا إن شمرت الحرب عن ساقها، ورحّبوا بالشدائد فإنها امتحان الرجال.
إن عشر غارات على دمشق، تنقيها من كل خوّار ضعيف، وتنفي عنها الجبناء المخانيث، كما تنفي النار النحاس عن الذهب الخالص.
إن عشرين مليون عربي، كلهم رجال، وكلهم أبطال، وكلهم مساعر