للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مريض الوهم]

أتى علي حين من دهري ركبتني فيه أوهام المرض، فلا أسمع داء إلّا توهمته فيّ، ولا يصف لي أحد ألماً في جسمه إلّا أحسسته في جسمي، حتى سكنت -في طلب الشفاء- عيادات الأطباء، وحفظت -من خوف الداء- أسماء الأدواء، وصرت أعرف من ذكر الأمراض وأعراضها أكثر مما أعرف من أخبار الأدباء وأنباء العلماء، واشتغلت عما كنت معنياً به من العلوم بكتب الطب أنظر فيها، وآخذ نفسي بتعلمها والعمل بها، حتى صرت في الطب نصف عالم. ونصف العالم هو نصف الجاهل، وهو شر أنواع الجهل؛ لأن صاحبه ليس عالماً فيعلم ولا جاهلاً فيتعلم، بل هو كالحكيم توما الذي قال فيه الشاعر:

قال حمار الحكيم توما: ... لو أنصفوني لكنت أركب

لأنني جاهل بسيط ... وصاحبي جاهل «مُركَّب»

وحتى صرت مثل الصيدلاني؛ في بيتي من الأدوية مثل ما في الصيدلية من العقاقير، من كل حلو ومر ومالح تغثي منه النفس، وحامض ينقبض منه الفم، ودواء له طعم كطعم زهرة القنبيط (١) إذا طبخت بلحم قط عجوز مقطوع


(١) القنبيط هو ما تسميه العامة: القرنبيط.

<<  <   >  >>