هل يصدق القراء أن رجلاً بلغ أعلى ما يبلغه الرجال في السن والفضل والمال وكان من أعلام السياسة والاقتصاد والعلم ولا يزال يعد من عيون الناس في هذا البلد، جاءني فأفضى إلى -بعد تردد طويل- أن حاله قد ساءت، وأن موارده قد جفت، وأنه يتوسل إلي أن أجد له وظيفة من الوظائف؟
أحلف لقد شدهت لما سمعت هذا وكذّبت أذني، ولو أني ذكرت اسمه للقراء لصعقوا، ولكن الرجل أكرم في نفسه وأعز على من أن أدل عليه أو أشير إليه. وإن له أمثالاً -وإن لم يبلغوا مكانته- من أهل العلم ومن رجال الأدب، وممن افتقر بعد غنى وذل بعد عز، ممن شاخ في خدمة هذا الوطن وعجز عن التكسب، لا يجدون ما يعيشون منه ولا يستطيعون أن يعملوا ولا يريدون أن يسألوا، فماذا يصنع هؤلاء؟ ومن هو المسؤول عنهم؟
وإذا كان عمر قد مر بيهودي عجوز يسأل الناس، فرأف به وأشفق عليه، وقرر هذه القاعدة الإنسانية النبيلة التي صارت -من بعد- قانوناً حين قال:"ما أنصفناه، أخذنا منه الجزية شاباً وأهملناه شيخاً"، وفرض له راتباً من بيت مال المسلمين. أفلا تعامل حكومتنا الفقراء من علماء الوطن وأدبائه ممن قعدت بهم السن وأحاطت بهم الفاقة معاملة عمر لليهودي؟