ما أدري والله هل فقدت أنا عقلي، أم الناس جميعاً قد فقدوا عقولهم. وإلا فخبّروني: كيف أرى الشيء أسود مظلماً، ويرونه هم أبيض مثل الثلج؟ وكيف أتألم وأتحرق كلما رأيت الخطر الداهم، والعدو المتربص، والغفلة واللهو واللعب، ويضحكون ويصفقون، كأن هذا هو المعقول، وأن هذا هو الواجب؟
الإنكليز والفرنسيون يحومون ببوارجهم وقواتهم من حول القناة، يرعدون ويبرقون، ينتظرون غفلة منا ليطبقوا علينا، والفرنسيون -ومعهم قوى حلف الأطلنطي- يسوقون عدد الموت إلى إخواننا المجاهدين في الجزائر؛ يطلعون بها عليهم من البحر، ويأتون بها من البر، وينزلون بها من السماء؛ يقتلون الأبرياء ويذبحون النساء ويدمرون القرى ويعدون على الأعراض، واليهود ... حتى اليهود الأذلة المساكين، قد تشجعوا وغدوا يبدؤوننا القتال، ويهجمون علينا، ويقتلون منا، ونحن ... ماذا نصنع نحن؟ هل نبذنا الخلاف الحزبي بيننا وأجلناه حتى تنكشف هذه الغمة؟ وهل وضعنا لأنفسنا خطة للتقشف والتوفير، وترك السرف والتبذير، ولننفق هذا الوفر في الاستعداد للحرب؟ هل وضعت الحكومة موازنتها على هذا الأساس؟ هل تركت الإنفاق في الكماليات، والإيفادات والرحلات، والحفلات والمؤتمرات، وإقامة النصب وإضاعة الأموال فيما لا ضرورة له ولا جدوى منه، ولا يدفع