للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[في الناس خير]

حدثني سَمِيَّ؛ الأستاذ علي الطنطاوي القاضي، قال: أقمت على قضاء النبك قرابة عام (١)، ما كنت أكلف أحداً من أهلها مالاً يبذله لوجه من وجوه البر إلا لبّى، على فقر أهل النبك وقلة ذوات أيديهم.

وما ذلك إلا لأنهم وثقوا أن ما نجمعه نؤديه ولا نحتجزه، ونقر به ولا نجحده، ونسلمه إلى أربابه لا ننسى شيئاً منه في زوايا جيوبنا. وما وثقوا بنا لأنا أعدنا الخُطَب عليهم، وكررنا القول لهم، وزكينا لهم أنفسنا بألسنتنا (كما تنظف القطة نفسها بلسانها، أو كما يفعل المرشحون يوم الانتخاب)، بل لأنهم رأوا ذلك منّا بعيونهم: كان يوم الفقير من أيام سنة ١٩٤١ الذي ابتدعته الحكومة ذلك الوقت عوناً للفقير وتفريجاً عنه، أو دعاية لها وتثبيتاً لكراسيها، وأي ذلك كان فقد كان فيه خيرٌ للفقيرِ كبيرٌ.

وأَحبَّ قائم المقام أن يكون جمعاً نظيفاً فوكلني به -حسنَ ظن منه بي- فعمدت إلى طريقة يستحيل أن يدخل عليها زيف، أو تمكن معها سرقة: جمعنا الناس في رحبة البلد وجئنا بصناديق مقفلة لها في ظهورها


(١) أقام جدي في النبك -قاضياً لها- نحو أحد عشر شهراً في سنة ١٩٤١، وله فيها أخبار يمكن الرجوع إليها في الجزء الرابع من «الذكريات» (مجاهد).

<<  <   >  >>