للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الاستعداد للجهاد]

أحلف لقد خجلت وودت لو اختبأت في بيتي شهراً، مما لقيت من الثناء على هاتين الخطبتين، والإعجاب بهما، والشكر عليهما، من أصدقاء ومن خصوم، وممن أعرف وممن ليس بيني وبينه معرفة، ومن متعلمين ومن عوام، ومن رجال ومن نساء.

ولست أقول هذا لأني زُهيت بهذا الظفر، واغتررت بهذا التشجيع. لأن والله ... ولقد خطبت في مواقف أخطر من هذا الموقف، ولقيت إكراماً أكثر من هذا الإكرام، وعانقت أعواد المنابر أكثر من خمس وعشرين سنة في الشام ومصر والعراق ... ولكن أقوله لأدل أولي الأمر على أن الناس ما اعجبوا بخطبتيّ هاتين لبلاغتهما، ولا لسحر بيانهما، ولا لروعة إلقائهما، بل لأنهما ترجمتا عما في أفئدة الناس جميعاً، وعبرتا عما في قلوبهم.

أفئدة الناس تغلي من الحماسة، وتضطرم بالرجولة، وتشتاق إلى الجهاد. الناس الذين كانوا يجزعون من الجندية أكثر من جزعهم من الموت، وكانوا يخافون «أبا لبادة» أكثر من خوفهم عزرائيل، وكانوا ينادون حينما يطلع من أول السوق: «عباية» ليحذر الفُرّار ويختبئوا حتى لا يداهمهم فيقول لهم كلمته التي كانت تقطع قلوب الرجال: «ناردة وثيقة»؟

هؤلاء الناس قد تبدلوا خلال ثلث قرن حتى صاروا يمطرون الحكومة

<<  <   >  >>