كنت أعتقد دائماً أني أجهل الناس بأمور الاقتصاد وأبعدهم عن معرفة طرق التدبير ووجوه التوفير، وكنت أجد -لذلك- في نفسي وأتألم. فلمّا كانت هذه الحرب الأخيرة ورأيت ما كنا عليه وما كان عليه الناس رأيت أني من علماء الاقتصاد وأئمة التدبير بالنسبة إلى من كان في أيديهم الأمر والنهي و ... خزانة الدولة، وصرت أعزي نفسي وأسليها.
اجتاحت هذه الحربُ بلادَ الناس، وأصابتها بالتخريب ورمتها بنقص الأموال والثمرات، فكانت عليهم جحيماً وكانت لنا نعيماً؛ إذ سلمنا من شرورها، ونلنا من خيراتها، فزادت في أيدينا الأموال، ونشأت الصناعات، واتسعت التجارات، فماذا صنعوا وماذا صنعنا؟
صبروا عليها وضيقوا على أنفسهم وأمسكوا من الجوع بطونهم، فلا يأكلون إلا بقدر، ولا يلبسون إلا بقدر؛ كي يوفروا المال ليشتروا به النصر، فلما نالوه لبثوا يحرمون نفوسهم ويضيقون عليها، ليبيعونا من الكماليات ما يسترجعون به المال الذي اشتروا به النصر، وانطلقنا نحن نفتش عن نافذة نلقي منها أموالنا ونبددها ونضيعها.
كان ملك إنكلترا أثناء الحرب يعتذر عن تقديم الحلوى في الحفلات لضيوفه لأن جرايته منها لا تقوم بذلك، وكنا نحن ننصب هنا وهناك مائدة