أمام مجلس الوزراء الآن مشروعان أشهد أنهما من أحسن المشروعات، واحد على وشك الوصول إليه، وواحد على وشك الخروج منه: مشروع مكافحة الأمية، ومشروع أئمة القرى. ومثلهما، أو خير منهما، المشروع الذي أقره مجلس المعارف الكبير، ومشروع الدروس الدينية في المدارس.
وإذا استطاعت الحكومة إحالة هذه المشروعات إلى قوانين، ثم أحسنت تنفيذ هذه القوانين، كان لها في تاريخ هذه الأمة فصل عنوانه المجد والفخار، وكان لها في حياتها أثر خالد لا تمحوه الأيام، لأن تهذيب النفوس بالدين، وتنوير العقول بالعلم، هما من الإصلاح كالجذع من الشجرة؛ إن قام قامت به الفروع كلها، وإن قطع لم ينفع بعده فرع.
وما دامت الأمية منتشرة فينا، وما دامت الجهالة غالبة علينا، وما دام الناس لا يتبعون إلا هوى نفوسهم وشهوات قلوبهم، فإن كل محاولةِ إصلاح صراخٌ في واد ونفخٌ في رماد. وليس يفيدنا مع هذه العلل قانونٌ نسنّه، ولا مقال نزخرفه، ولا طريق نسويه، ولا بناء نعلّيه. والأمم لا تقاس حضارتها بجمال أرضها، ولا بكثرة مالها، ولا بضخامة بنيانها، ولكن تقاس حضارة الأمم بشيئين: كثرة المتعلمين فيها، وقلة المجرمين منها ... تقاس بامتلاء المدارس، وفراغ السجون.