لما وصل الترام ذات يوم إلى المرجة أخرجتُ ساعتي -على عادتي- لأضبطها، وقلت لجاري:"كم الساعة من فضلك؟ "، فنظر إلى ساعة المرجة وقال:"سبعة ونصف"، فقال الآخر:"بل هي سبعة ونصف وخمس دقائق".
فنزلنا من الترام ونظرنا، فإذا وجه الساعة الذي يواجه فندق أمية يختلف عن وجهها المقابل للمحافظة (ولم أنظر علامَ ما يدلُّ وجهها الثالث!).
فقال أحد الوقوف:"قبح الله هذه الساعة! " قلت: "وما لها؟ ". قال:"إنها سبقت المنافقين وإن المنافق بوجهين ولسانين، وهذه بثلاثة أوجه وثلاثة ألسنة".
قلت: إنك تتكلم عن منافقي الزمان الماضي، وقد ارتقت الدنيا اليوم وتقدم الناس، وصار من المنافقين من له خمسون وجهاً؛ يختار كل يوم الوجه المناسب كما يختار رباط عنقه! وله خمسون لساناً يركّبها عليها ويبدّلها -كلما تبدل الحكام- كما يغير ثيابه كلما تغير الجو! (وما أكثر ما تغير الجو من أيام الأتراك إلى أيام الفرنسيين إلى أيام الاستقلال والعهود التي جاءت بعده ... وهم -أبداً- جماعة كل عهد وأحباب كل حاكم). وكيف لا تكون هذه الساعة علَمَ الفوضى وقد أقيمت لتكون شارة الضبط والنظام؟ ألا ترى وجهها الغربي سابقاً لأن في الغرب الشوارع الفساح