للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأكرم من عمر الذي كان يحكم -وحدَه- ما بين حدود فرنسا وحدود التُبَّت، لا رادّ لحكمه ولا ناقض لإبرامه، وليس فوقه إلا الله؟ وهل تتصورون أن يكون في الدنيا موضوع أتفه وأسخف من جدار فرتونة ودجاجها؟

ومع ذلك لم تمنع عمرَ بنَ عبد العزيز جلائلُ الأمور من أن يهتم بشكَاة فرتونة، ويكتب بشأنها إلى والي مصر وقائدها العام أيوب بن شرحبيل، وأن يجيبها مطمئناً ومخبراً.

هذا خبر من آلاف الأخبار التي يطفح بها تاريخنا أسوقه إلى رجلين: رجل يزهد في تاريخنا ويحقره ويولي وجهه تلقاء الغرب في كل شيء؛ يظن أن الخير لا يأتي إلا منه، والنور لا ينبثق إلا من جهته، وينسى أنها من الشرق تشرق الشمس، ومن الغرب تأتي الظلمات ... ورجل ولي ولاية، أو نال وزارة، فتكبر وتجبر، وطغى وبغى، وحسب أنه ساد الدنيا، فلم يعد يردّ على كتاب ولا يحفل بشكَاة ولا ينظر إلى أحد ... لعله يتنازل فيرضى أن يكون بمنزلة عمر الذي كانت الدولة السورية كلها ضيعةً واحدة في دولته، ثم لم يمنعه ذلك أن يهتم بحائط فرتونة السوداء ودجاجاتها، وأن يشغل والي مصر وقائد جندها بشأنها، وأن يرد بيده على كتابها!

ألا تتنازلون -يا سادتي- من معاليكم فتكونوا مثل عمر؟!

***

<<  <   >  >>