للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأذان]

كنت سائراً في العقيبة مفكراً قد تراخت مفاصلي، واسترخت أعضادي، وتيقظ خيالي وانطلق وحده يسبح في بحار الأحلام، أحلام اليقظة التي تعتري الأدباء والفنانين، كما تعتري إخوانهم المجانين ... فإذا بضجة مروعة أرعبتني حتى لقد أحسست أن يداً رفعتني إلى السقف ورمت بي، وإذا أنا أسمع أصواتاً لا يبين منها كلام، ولا يفهم لها معنى، تشبه أن تكون: "لاهو كبور ... روكبر كبر ... شوهد ولا لالواء"، وهي تخرج من حلوق عشرة رجال جهيرة أصواتهم، متينة حناجرهم، يضاعفها أضعافاً هذا المكبر الهائل المنصوب في رأس المنارة!

وإذا هذا الكلام هو الأذان في بعض مآذن الشام. وإذا النشيد السماوي الذي لم يقرع سمع الزمان ولا رن في أرجاء الأرض نشيد أروع منه روعة، ولا أجل حلالاً، ولا أعظم في النفس أثراً، ولا أبقى على الدهر خلوداً، قد استحال إلى هذه الضجة المبهمة المرعبة التي لا يدري سامعها -إذا هو لم يعرفها من قبل- من أي لسان هي من ألسنة الجن أو الإنس! كما استحالت شعائر كثيرة من شعائر ديننا إلى مظاهر مشوهة ممسوخة قد أضعنا -بجهلنا- حقائقها، وسلبناها روحها، وجهلنا منها معانيها.

الله أكبر، التي جعلها الله شعارنا في أذاننا وفي صلاتنا، نهتف بها إذا

<<  <   >  >>