للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنتدِبة، وكانت تنقد رئيس الوزراء فنقد هو المفوض السامي ... وجعل الجريدة مدرسة للرجولة وللجرأة، وعلّم قراءها أننا إن كنّا أضعف من المستعمرين لا نملك دباباتهم ولا مدافعهم فإننا أقوى بإيماننا وأشرف بماضينا، وأنّا المحقون وأنهم الغاصبون المبطلون، وأن الباطل قد يغلب الحق حيناً والمستعمر قد يسطو بالشعب زمناً ولكن ذلك لا يمكن أن يدوم.

وكانت -فوق ذلك- مدرسة للبيان العربي، والأسلوب المشرق، والبلاغة التي تهز حبات القلب وتثير سواكن النفس حتى تجعل البَكِيّ فَرِحاً والعييّ فصيحاً والجبان جريئاً والشعب الأعزل جيشاً يهزأ بالحديد والنار.

ولقد كانت للناس ثقة بها لم يكن مثلها لجريدة، وكان من المظاهر الكثيرة لهذه الثقة أنها لما دعت الناس إلى مساعدة أطفال الصحراء (أبناء الثوار الذين كانوا في وادي السرحان مع سلطان) أقبل الناس على البذل إقبالاً لا شبيه له، وكانت هي محلاً لهذه الثقة فنشرت أسماء المتبرعين ومقدار ما دفعوا ووجوه إنفاق المبلغ ووثائق وصوله؛ فلم يضع قرش واحد ولم يسرق.

لقد كان لي شرف العمل في «الأيام»، وأنا أشهد أن دارها كانت كعبة الوطنية وقبلة رجالها وكانت «مقر أركان حرب» الجهاد الوطني وفيها كانت اجتماعات قادة الأمة وفيها كانت مجالس الشباب، وكان فيها بهو للجنة الطلبة المركزية التي تمثل طلاب دمشق جميعاً وكان كاتب هذا المقال هو رئيسها وكان أول داع لتأليف لجان للطلاب عقب عودته من مصر سنة ١٩٢٨. مضى وقت طويل ولجان دمشق كلها يديرها رجلان: الدكتور صبري القباني وكاتب هذه السطور، وكان الأول طالباً في كلية الطب والثاني طالباً في كلية الحقوق.

<<  <   >  >>