للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعش الرجل الذي استطاع أن يكون قاضياً نزيهاً أميناً، وهو يكابد الفقر عمره كله ويتجرعه ويصبر عليه، حتى عاش شريفاً، ومات شهيداً!

وتولى القضاة والمحامون نعيه وإخراجه، ومشت الجنازة صامتة رهيبة على السنة؛ لا صراخ ولا نشيد ولا آس ولا أكاليل، وأبّنْتُهُ وأنا لا أعلم ماذا أقول؛ لأن أطفاله كانوا أمامي، فكان يشغلني التفكير في مصيرهم عن صوغ آيات البيان.

كنت أفكر فيهم فأخشى أن لا تفي هذه الأمة للرجل الذي وفى لها، وأن تدع أولاده يحتاجون من بعده لأن ضميره ودينه منعاه من أن يدخر لهم مالاً يجمعه من حرام، وأن تضيق خزانة الدولة فلا تجود بالمال لمن جاد بالدم، وأن تتمسك بحرفية قانون التقاعد وتعطي أسرة الفقيد ما لا يكفيها ثمن الخبز ... حتى يرى ذلك القضاة فلا يبقى فيهم قاض نزيه.

وبعد، فإني -والله- لا أزال في روعة الصدمة الأولى، فاعذروني اليوم.

***

<<  <   >  >>