وما أخبر به - صلّى الله عليه وسلم - في هذه الأحاديث قد وقع بعضٌ منه، فحدث القتال بين المسلمين في عهد الصّحابة رضي الله عنهم بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، ثمّ صارت الحروب تكثر في بعض الأماكن دون بعض، وفي بعض الأزمان دون بعض، ودون أن تعرف أسباب أكثر تلك الحروب.
وإنَّ ما حصل في القرون الأخيرة من الحروب المدمِّرة بين الأمم، والتي ذهب ضحيَّتها الألوف، وانتشرت الفتن بين النَّاس بسبب ذلك، حتّى صار الواحد يقتل الآخر، ولا يعرف الباعث له على ذلك.
وكذلك، فإن انتشار الأسلحة الفتَّاكة الّتي تدمِّر الشعوب والأمم له دورٌ كبيرٌ في كثرة القتل، حتّى صار الإِنسان لا قيمة له؛ يُذْبَحُ كما تُذْبَحُ الشاة، وذلك بسبب الانحلال، وطيش العقول، فعند وقوع الفتن يقتل القاتل، ولا يدري لماذا قُتِل، وفيم قُتِل، بل إننا نرى بعض النَّاس يقتل غيره لأسباب تافهة، وذلك عند اضطراب النَّاس، ويصدق على ذلك قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "إنّه لينزع عقول أكثر أهل ذلك الزّمان"، نسأل الله العافية، ونعوذ به من الفتن؛ ماظهرمنها وما بطن.
وقد جاء أن لهذه الأمة أمة مرحومةٌ، ليس عليها عذابٌ في الآخرة، وأن الله تعالى جعل عذابها في الدُّنيا الفتن والزلازل والقتل، ففي الحديث عن صدقة بن المثنَّى: حدّثنا رباح بن الحارث عن أبي بُردة؛ قال: بيَّنَّا أنا
(١) "صحيح مسلم"، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، (١٨/ ٣٥ - مع شرح النووي).