مجازًا عن انكشافهم أمام المسلمين، وعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم؛ كما قيل، والله أعلم.
٥٥ - نفي المدينة لشرارها ثمّ خرابها آخر الزّمان:
حثَّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - على سكنى المدينة، ورغَّب في ذلك، وأخبر أنّه لا يخرج أحدٌ منها رغبةً عنها إِلَّا أخلف الله فيها مَنْ هو خيرٌ منه.
وأخبر أن من علامات السّاعة نفي المدينة لخبثها، وهم شرار النَّاس؛ كما ينفي الكير خبث الحديد.
روى الإِمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال:"يأتي على النَّاس زمانٌ يدعو الرَّجل ابن عمه وقريبه هلمَّ إلى الرخاء، هلمَّ إلى الرخاء، والمدينة خيرٌ لهم لو كانو يعلمون، والذي نفسي بيده؛ لا يخرج منهم أحدٌ رغبةً عنها؛ إِلَّا أخلف الله فيها خيرًا منه، ألَّا إن المدينة كالكير يخرج الخبيث، لا تقوم السّاعة حتّى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد"(١).
وقد حمل القاضي عياضٌ نفي المدينة لخبثها على زمن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -؛ لأنّه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام في المدينة إِلَّا مَنْ كان ثابت الإِيمان، وأمّا المنافقون وجهَلَة الإعراب؛ فلا يصبرون على شدَّة المدينة ولأوائها، ولا يحتسبون من الأجر في ذلك.
وحمله النووي على زمن الدَّجَّال، واستبعد ما اختاره القاضي
(١) "صحيح مسلم"، كتاب الحجِّ، باب المدينة تنفي خبثها وتسمى طابة وطيبة، (٩/ ١٥٣ - مع شرح النووي).