للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن أبي جمرة: "معنى كون رؤيا المؤمّن في آخر الزّمان لا تكاد تكذب: أنّها تقع غالبًا على الوجه الّذي لا يحتاج إلى تعبير، فلا يدخلها الكذب؛ بخلاف ما قبل؛ فإنها قد يخفى تأويلها، فيعبرها العابر، فلا تقع كما قال، فيصدق دخول الكذب فيها بهذا الاعتبار".

قال: "والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزّمان أن المؤمّن في ذلك الوقت يكون غريبًا؛ كما في الحديث: "بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا" (١)، أخرجه مسلم، فيقل أنيس المؤمّن ومعينُه في ذلك الوقت، فيُكْرَمُ بالرؤيا الصالحة" (٢).

وقد اختلف العلماء في تحديد الزمن الّذي يقع فيه صدق رؤيا المؤمّن على أقوال (٣):

الأوّل: أن ذلك يقع إذا اقتربت السّاعة، وقُبِض أكثر العلم، ودرست معالم الشّريعة؛ بسبب الفتن وكثرة القتال، وأصبح النَّاس على مثل الفترة، فهم محتاجون إلى مجدِّد ومذكِّر لما دَرَس من الدين، كما كانت الأمم تذكِّر بالأنبجاء، لكن لما كان نبينا - صلّى الله عليه وسلم - آخر الأنبجاء، وتعذَّرت النبوة في هذه الأمة؛ فإنهم يعوَّضون بالمرائي الصادقة، الّتي هي جزءٌ من النبوة الآتية بالتبشير والإِنذار، ويؤيِّد لهذا القول حديث أبي هريرة: "يتقارب الزّمان، ويُقْبَض


(١) "صحيح مسلم"، كتاب الإِيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا، (٢/ ١٧٦ - مع شرح النووي).
(٢) "فتح الباري" (١٢/ ٤٠٦).
(٣) انظر: "فتح الباري" (١٢/ ٤٠٦ - ٤٠٧).

<<  <   >  >>