للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النووي في معنى عود أرض العرب مروجًا وأنّهارًا: "معناه - والله أعلم - أنّهم يتركونها ويُعْرِضون عنها، فتبقى مهملة، لا تُزْرَعُ، ولا تُسْقى من مياهها، وذلك لقلَّة الرجال، وكثرة الحروب، وتراكم الفتن، وقرب السّاعة، وقلَّة الآمال، وعدم الفراغ لذلك والاهتمام به" (١).

والذي يظهر لي أن ما ذهب إليه النووي - رحمه الله - في شرحه لهذا الحديث فيه نظر؛ فإن أرض العرب أرضٌ قاحلةٌ شحيحة المياه، قليلة النبات،. غالب مياهها من الآبار والأمطار، فإذا تُرِكَت واشتغل عنها أهلها؛ مات زرعها، ولم تَعُد مروجًا وأنّهارًا".

وظاهر الحديث يدلُّ على أن بلاد العرب ستكثر فيها المياه، حتّى تكون أنّهارًا، فتنبت بها النباتات، فتكون مروجًا وحدائق وغابات.

والذي يؤيِّد لهذا أنّه ظهر في لهذا العصر عيونٌ كثيرةٌ تفجَّرت كالأنّهار، وقامت عليها زراعاتٌ كثيرةٌ، وسيكون ما أخبر به الصادق - صلّى الله عليه وسلم - فقد روى معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال في غزوة تبوك: "إنكم ستأتون غدًا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتّى يُضْحي النهار، فمَن جاءها منكم؛ فلا يمسَّ من مائها شيئًا حتّى آتي". فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك (٢) تبضُّ (٣) بشيء من ماء؛ قال: فسألهما رسول


(١) "شرح النووي لمسلم" (٧/ ٩٧).
(٢) (الشرأك): بكسر الشين، هو سير النعل.
انظر: "لسان العرب" (١٠/ ٤٥١).
(٣) (تبض)؛ بفتح التاء وكسر الموحدة بعدها ضاد معجمة مشدَّدة؛ أي: تسيل بماء قليل. أنظر: "شرح النووي لمسلم" (١٥/ ٤١)، و"لسان العرب" (٧/ ١١٧).

<<  <   >  >>