للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - أن القرآن لم يذكر الدَّجَّال احتقارًا لشأنّه؛ لأنّه يدَّعي الرُّبوبية وهو بشرٌ ينافي حاله جلال الرَّبَّ وعظمته وكماله وكبرياءه وتنزُّهه عن النقص، فلذلك كان أمره عند الله أحقر وأصغر من أن يُذْكَرَ، ومع هذا حذَّرت الأنبياء منه، وبيَّنت خطره وفتنته، كما سبق أن كلّ نبيٍّ أنذر أمته منه، وحذَّرها من فتنته.

فإن اعتُرِض بأن القرآن ذكر فرعون وهو قد ادَّعى الرُّبوبية والألوهيَّة، فيقال: إن أمر فرعون انقضى وانتهى، وذُكِر عبرة للناس وعظمة، وأمّا أمر الدَّجَّال؛ فسيحدث في آخر الزّمان، فتُرِك ذكره امتحانًا به، مع أن ادِّعاءه الرُّبوبية أظهر من أن يُنَبَّهَ على بطلانه؛ لأنَّ الدَّجَّال ظاهر النقص، واضح الذَّم، أحقر وأصغر من المقام الّذي يدَّعيه، فترك الله ذكره؛ لما يعلم تعالى من عباده المؤمنين؛ أن مثل هذا لا يخيفهم ولا يزيدهم إِلَّا إيمانًا وتسليمًا لله ورسوله؛ كما يقول الشاب الّذي يقتله الدَّجَّال ويجيبه: "والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم" (١).

وقد يُترَك ذكرُ الشيء لوضوحه؛ كما ترك النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في مرض موته أن يكتب كتابًا بخلافة الصدِّيق رضي الله عنه لوضوحه، وذلك لعظم قدر أبي بكر عند الصّحابة رضي الله عنهم، ولذلك قال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "يأبى الله والمؤمنون إِلَّا أبا بكر" (٢).


(١) "صحيح البخاريّ"، كتاب الفتن، باب لا يدخل الدجال المدينة، (١٣/ ١٠١ - مع الفتح).
(٢) "صحيح مسلم"، كتاب الفضائل، باب فضائل أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، (١٥/ ١٥٥ - مع شرح النووي).

<<  <   >  >>