للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنها تدلُّ على أنَّ من أهل الكتاب مَنْ سيؤمن بعيسى -عليه السّلام- آخر الزّمان، وذلك عند نزوله (١) وقبل موته؛ كما جاءت بذلك الأحاديث المتواترة الصحيحة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في جوابه لسؤال وُجِّهَ إليه عن وفاة عيسى ورفعه: "الحمد لله، عيسى -عليه السّلام- حىٌّ، وقد ثبت في الصَّحيح عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا وإمامًا مقسطًا، فيكسر الصلّيب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية" (٢)، وثبت في الصّحيح عنه أنّه ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وأنّه يقتل الدَّجَّال، ومَن فارقت روحه جسده؛ لم ينزل جسده من السَّماء، وإذا أُحيي؛ فإنّه يقوم من قبره.

وأمّا قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ فهذا دليلٌ على أنّه لم يعنِ بذلك الموت، إذ لو أراد بذلك الموت؛ لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين؛ فإن الله يقبض أرواحهم، ويعرج بها إلى السَّماء، فعُلِم أن ليس في ذلك خاصِّيَّة، وكذلك قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ولو كان قد فارقت روحه جسده؛ لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء، أو غيره من الأنبياء.

وقد قال تعالى في الآية الأخرى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ


(١) نزولًا حقيقيًا، وليس المراد بنزوله وحكمه في الأرض في آخر الزّمان كناية عن غلبة روحه وسر رسالته على النَّاس بما غلب عليها من الأمر بالرّحمة والمحبة والسلم والأخذ بمقاصد الشّريعة دون الوقوف عند ظواهرها؛ فإن ذلك مخالفٌ للأحاديث المتواترة في أنّه ينزل بروحه وجسده كما رفع بروحه وجسده -عليه السّلام-.
(٢) انظر كلام الشّيخ محمَّد عبده في "تفسير المنار" (٣/ ٣١٧).

<<  <   >  >>