للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمؤرخين أن يتعرَّفوا على مكانه، ومن ذلك "أن الخليفة الواثق (١) بعث بعض أمرائه يتَّجه معه جيشًا سرية؛ لينظروا إلى السد، ويعاينوه، وينعتوه له إذا رجعوا، فوصلوا من بلاد إلى بلاد، ومن ملك إلى ملك، حتّى وصلوا إليه، ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس، وذكروا أنّهم رأوا فيه بابًا عظيمًا، وعليه أقفالٌ عظيمة، ورأوا بقية اللبن والعسل في برج هناك، وأن عنده حراسًا من الملوك المتاخمة له، وأنّه منيفٌ شاهقٌ، لا يُستطاع ولا ما حوله من الجبال، ثمّ رجعوا إلى بلادهم، وكانت غيبتهم أكثر من سنتين، وشاهدوا أهوالًا وعجائب" (٢).

وهذه القصة ذكرها ابن كثير رحمه الله في التفسير، ولم يذكر لها سندًا، فالله أعلم بصحة ذلك.

والذي تدل عليه الآيات السابقة أن هذا السد بُني بين جبلين؛ لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ}، والسدان: هما جبلان متقابلان. ثمّ قال: {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}؛ أي: حاذى به رؤوس الجبلين (٣)، وذلك بزبر الحديد، ثمّ أفرغ عليه نحاسًا مذابًا، فكان سدًّا محكمًا.

قال الإِمام البخاريّ: "قال رجلٌ للنبي- صلّى الله عليه وسلم -: رأيتُ السَّدَّ من البرد


(١) هو الخليفة العباسي هارون بن محمّد المعتصم بن هارون الرشيد، بويع له بالخلافة سنة ست وعشرين، وتوفي سنة (٢٣٢ هـ) بطريق مكّة وهو ابن ست وثلاثين سنة.
انظر: "البداية والنهاية" (١٠/ ٣٠٨).
(٢) "تفسير ابن كثير" (٥/ ١٩٣).
(٣) انظر: "تفسير ابن كثير" (٥/ ١٩١ - ١٩٢).

<<  <   >  >>