للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا الجميل، أقبل عليَّ وقام لي، والتزمني، ودَعَوْتُ له، وقلتُ: عندنا قصور يوجب التقصير فقال: ما عندك تقصير ولا قصور. وذكر أمر السُّنَّة فقال: ما عندك شيء يُعاب في أمر الدِّين ولا الدُّنيا، ولا بدَّ للناس من حاسدين. وبلغني عنه بعد ذلك أنه ذُكر عنده العلماء فقال: ما رأيتُ مثل فلان، دخل عليَّ فَخُيِّلَ إليَّ أنَّه أسدٌ قد دخل علي.

قال الشيخ الضِّياء: وكان المبتدعة قد وَغِروا صَدْرَ العادل على الحافظ، وتكلَّموا فيه عنده، وكان بعضُهم يقول: ربما يقتله إذا دخل عليه. وسمِعْتُ أن بعضهم بذل في قتل الحافظ خمسة آلاف دينار. قال: وسمعت أبا بكر بن أحمد الطَّحان يقول: جعلوا الملاهي عند درج جيرون (١)، فجاء الحافظ فكسر كثيرًا منها، وصَعِدَ المنبر، فجاءه رسول القاضي يطلبه ليناظره في الدَّفِّ والشّبَّابة، فقال: ذاك حرام، ولا أمشي إليه، إن كان له حاجة يجيء هو. قال: فعاد الرسول يقول: لا بد من مجيئك، قد بطلت (٢) هذه الأشياء على السلطان. فقال: ضرب الله رقبته ورقبة السُّلْطان. فمضى الرسول وخفنا من فتنة، فما أتى أحد بعد.

سمعتُ محمود بن سلامة الحَرَّاني بأَصْبَهان يقول: كان الحافظ بأَصْبَهان يخرج فيصطفُّ الناس في السوق ينظرون إليه، ولو قام بأصبهان مُدَّة، وأراد أن يملكها لملكها؛ يعني من حبِّهم له ورغبتهم [فيه] (٣).


(١) ما زال درج جيرون قائمًا، وهو عند الباب الشرقي للجامع الأموي، وتسمى المحلة الآن "النوفرة"، وقد ذكره ياقوت الحموي في "معجم البلدان": ٢/ ١٩٩، وانظر ما كتب صلاح الدين المنجد عن باب جيرون في "خطط دمشق": ١٢٣ - ١٢٩، ويبدو أن جيرون كانت محل فسق وشرب خمر ولهو.
(٢) في "تذكرة الحفاظ": ٤/ ١٣٧٧ "عطلت".
(٣) ما بين حاصرتين مثبت من "تذكرة الحفاظ": ٤/ ١٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>