للعملِ في المخطوطات متعةٌ لا يعرفها إلا من ذاقها، إنها في أيسر حالاتها تنميةٌ لحسِّ الزمن في أعماقنا، وإرهافٌ لرعشة الماضي في وجداننا، تعيشه كأنه الحاضر .. رؤيةً ورؤيا .. هذه المخطوطة بخط الإِمام الغزالي .. وتلك بخط الإمام الذَّهبي .. وهذه سمعها صلاحُ الدِّين .. وتلك كان يملكها الملك المعظَّم .. وتتلاحقُ الأزمنة أمامك، وأنت تقف في زمنك، وتعيش الفكر والوجدان معًا، ها هم أولاء أعلامنا .. وأكاد أحيانًا أمدُّ يدي لأصافحهم من خلال خطوطهم ...
وتقرأ لاهثًا .. وأنت ملاحقٌ بهذا الإِحساس، لتَرْدِمَ خَنْدقًا حفره الزمن خلال قرونٍ عديدة، وتحاول أن تلملم صورةً بعثرتها النكبات والأحداث ومزقتها .. ولكي تلملمَ بقايا الصورة؛ عليك أن تعاني مشقَّة السؤال والحرمان .. فلكي تكتب عن دمشق مثلًا، عليك أن تبحث عنها في مكتبات ليدن، أو لندن، أو برلين ... تراثنا ما زال أسيرًا في ديار الغُرْبة .. وثمة من يطالبنا بالابتعاد عنه! ..
وتمضي السَّاعات .. وأنت تسعى بين الكتب وراء فتحةٍ أو ضمة تتوِّجُ بها كلمة .. أو تكشفُ عن معنى .. أو تعيدُ الحياةَ إلى كلمة عَدَتْ