عليها عوادي الرُّطوبة .. وتشعر بلذَّةٍ غريبة حين يشعُّ في ذهنك معنى .. أو تستسلم لك كلمة .. وتحس أنك تعيد اكتشاف التراث من جديد، أنك تردِمُ فجوةً بين الماضي والحاضر ..
وهذا الكتاب يبيِّن جانبًا من جوانب ثقافتنا، هو تأريخ لهذه الفئة من العلماء الذين أخلصوا في خدمة الحديث النَّبوي الشَّريف، ومنحوه قلبهم وعقلهم وجهدهم، هذه الفئة التي كان من أهمِّ أهدافها ألا نبتعدَ عن اليَنْبُوع الثَّاني في ديننا الحنيف، عن المصدر الثاني -بعد القرآن الكريم- في تكوين نظرتنا إلى الحياة والكون، ويدهشنا حقًّا هذا الإِيمان الكبير الذي سَكَنَ قلوبهم، وهذا الدَّأْبُ على العِلْم مع الفاقة في كثيرٍ من الأحيان، فكان منهم في كل عصر ثوابت مبصرة، تبعدنا عن الانحراف وراء يونان أو فُرْس .. تذكِّرنا دائمًا بكلماتِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي مضمخة بعبق الإِيمان، وبعزيمة الحياة ...
وهو يعرِّفنا بمؤلفاتٍ لم نسمع بها من قبل .. مؤلفاتٍ شاملةٍ لأكثر المعارف، من حديثٍ .. وتاريخ، وأدب ونحو وتصوُّف.
وقد قدَّمْتُه بمقدِّمة تعرِّف بالمؤلف وعصره، وأتبعتها بدراسةٍ عن ثقافته ونقده ومؤلفاته، واستقصيت -ما أمكن- التآليف التي من بابته، وأجريتُ مقارنةً بينه وبين تذكرة الحفَّاظ لوحدة موضوعِهما .. وعصرِهِما ..
وقد قمتُ بتحقيقه مع الأخ الصَّديق الأستاذ أكرم البوشي، فجزأنا الكتاب، فكان من نصيبه الجزء الأول والثاني، وكان من نصيبي الجزء الثالث والرابع .. وقد اتفقنا على منهجٍ في التحقيق بيَّنْتُه في آخر هذه المقدِّمة.